مقالات رأي

ورحل رفيق العمر … كمال عامر

لواء دكتور / سمير فرج

كتبت العديد والعديد من المقالات والتحليلات والتقارير وحتى الكتب، ولكن اليوم يقف قلمي عاجزاً عن نقل مشاعري، وأنا أكتب عن رفيق العمر، الصديق كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، الذي لاقى ربه، في الأسبوع الماضي، بعد رحلة طويلة، ومشرفة، من العطاء الوطني، كان لي شرف أن أشهد عليها، من خلال صداقتنا التي امتدت لأكثر من أربعين عاماً.
ألتقيته، لأول مرة، بعد هزيمة حرب 67، عندما قامت القوات المسلحة باختيار مجموعة من الضباط المتميزين، للتدريس في مدرسة المشاة، فكنا النقيب، حينها، كمال عامر، ومصطفى عفيفي، وممدوح منصور، وسيف جلال، وسمير فرج. وبعد عام تم اختيار كمال عامر، كخبير عسكري، للذهاب إلى السودان، لتطوير مدرسة المشاة بها، وخلال عام واحد نجح كمال عامر في تطوير مدرسة المشاة بالسودان، من حيث المناهج، وخطط التدريس والمراجع، وأنظمة الامتحانات، حتى شهد الجميع بتميز مدرسة المشاة بالسودان، كواحدة من أقوى المنشآت العلمية بها.
بعد نجاح مهمته، عاد، كمال عامر، إلى أرض الوطن، لنتزامل لمدة عام ونصف، في كلية الأركان حرب، بعد اجتيازنا للاختبارات المؤهلة لها، فلم نفترق خلالهم، أبداً، سواء صباحاً، في قاعات المحاضرات، التي كنا نتشارك مكاتبها، أو مساءً عندما كنا نلتقي، ومعنا محسن السلاوي، الذي يشغل، حالياً، منصب مستشار السيد رئيس الجمهورية، لنذاكر مشروعات الهجوم والدفاع، حتى منتصف الليل، وأصبحنا نحن الثلاثة نعيش، معاً، ومع الخرائط والمذكرات، أكثر مما كنا نعيش مع أسرنا.
تخرجنا من كلية الأركان حرب، قبيل حرب أكتوبر، وتم توزيعي على هيئة عمليات القوات المسلحة، أما محسن السلاوي فتم توزيعه على أحد اللواءات المشاة الميكانيكية، في اتجاه القنطرة، حيث تم اقتحام قناة السويس، وتدمير نقاط خط بارليف، بينما كان توزيع كمال عامر على أحد ألوية المشاة الميكانيكي، التي اقتحمت قناة السويس، ودمرت خط بارليف، قبل أن تندفع جنوباً للسيطرة والاستيلاء على النقطة الحصينة الإسرائيلية في منطقة عيون موسى، في واحدة من أشرس معارك حرب أكتوبر.
لم تمنعنا المعارك، من الاطمئنان على بعضنا الآخر، من خلال متابعة سير القتال، حتى اتصل بي كمال عامر، من وسط أعمال القتال، طالباً مني متابعة عرض ابنه الصغير على أحد الخبراء الأجانب، الذي كان في زيارة لأحد المستشفيات العسكرية، حينها، فسنحت لي الظروف، في الاستئذان لبضع ساعات، رافقت خلالهم ابن كمال عامر أثناء الكشف الطبي، لأطمئن عليه، وأطمئن والده على الجبهة. وبعد انتهاء الحرب، لما بعثت إلى إنجلترا، للدراسة بكلية كمبرلي الملكية، لمدة عامين، لم أحمل خلالهما هماً لأمور أسرتي، التي تولاها، بالكامل، صديقاي كمال عامر ومحسن السلاوي.
وجاءت حرب تحرير الكويت، فعُين كمال عامر رئيساً لأركان قائد القوات المصرية، في حرب الخليج، تحت قيادة الفريق صلاح الحلبي، ونجحت القوات المصرية في تحرير الكويت. وأذكر، يوماً، أثناء إدارتي للشئون المعنوية، وبينما الفريق صلاح الحلبي، وهو رئيساً لأركان القوات المسلحة، حينئذ، يروي أحداث حرب تحرير الكويت، أن سألته عن رأيه في كمال عامر، فأجابني، نصاً، “إن وجود كمال عامر نائباً لي في هذه المهمة، كان نعمة من الله، فهو ضابط ميداني منضبط، لا يكل من التواجد مع القوات خلال سير أعمال القتال”، مضيفاً أنه من أعظم ضباط العمليات الذين عملوا معه.
وعندما أصبح كمال عامر قائد فرقة مشاة ميكانيكي، في المنطقة الغربية، على الحدود الليبية، عملت نائباً له، لمدة عام، تعرفت فيه على الوجه الآخر لكمال عامر، القائد بحق، الذي يهتم بشئون جميع جنوده، فكان يخرج من مكتبه صباحاً للمرور، ولا يعود إلا في المساء، ومن بعده توليت قيادة الفرقة، بعدما أصبح، هو، قائداً للجيش الثالث الميداني. ولما أصبحت ملحقاً عسكرياً لمصر في تركيا، كان هو قد صار مديراً للمخابرات الحربية، ليحدث، في تلك الفترة، تطوراً كبيراً في عمل إدارة المخابرات، اعتماداً على خبرته العلمية، والميدانية طوال سنوات خدمته، فقام بتطوير عمل مكاتب المخابرات الحربية، في كل أنحاء مصر، وأدخل الحاسبات الألية في عمل كل أجهزة الإدارة، خاصة في مجال التحليلات والتقديرات، نظراً لخبرته خاصة في حرب الخليج.
بعد تركه للخدمة العسكرية أصبح محافظاً لأسوان ومرسى مطروح، تلك المحافظات الحدودية، التي شهدت خلال فترة قيادته تطويراً كبيراً، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والطرق، وكذلك توفير المياه النقية في مطروح. وللاستفادة من خبراته المتراكمة، اختارته القوات المسلحة ليكون مستشاراً في أكاديمية ناصر العسكرية، لتدريب قادة القوات المسلحة في كلية الحرب والدفاع، كما كان رئيساً لتحرير مجلة الدفاع، أحد إصدارات مؤسسة الأهرام، التي تعد النافذة العلمية العسكرية، للقارئ المصري والعربي. وأخيراً لم تجد القوات المسلحة أكفء من ذلك الرجل العظيم، بهذه الخبرات المتنوعة، لترشحه لرئاسة لجنة الدفاع والأمن القومي، بمجلس النواب المصري، ليتابع ويقدم المشورة في كل ما يخص مصر وأمنها القومي.
بعد رحلة من العطاء، استحق، كمال عامر، تكريم سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي له بترقيته لرتبة الفريق، ومنحه وشاح النيل، كأسمى تكريم من القائد الأعلى للقوات المسلحة، لقائد مصري عظيم، أعطى الكثير لمصر وجيشها وشعبها … كما نعاه السيد الرئيس في تدوينه على صفحته الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي بكلمات من القلب “لقد فقدت مصر اليوم واحداً من أغلى رجالها، معلمي وأستاذي وقائدي اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب. لقد كان الفقيد خير معلم وقائد، مخلصاً وأميناً لتراب هذا الوطن حتى آخر لحظة في حياته” … رحم الله، صديقي ورفيق عمري، الفريق كمال عامر.
Email: [email protected]