اقتصاد عالمى

بلومبرج: تفاوت في معدلات تبني البنوك العالمية لتوجهات التمويل الأخضر

 

منذ اتفاقية باريس للمناخ، قدم القطاع المصرفي العالمي سندات وقروضا لصناعة الوقود الأحفوري، بقيمة تفوق 3.6 تريليون دولار. ومنذ ما يزيد عن خمسة أعوام، تربع على عرش قائمة المانحين بنك “جيه بي مورجان” .
ومن جهة أخرى، خصصت مجموعة من البنوك الداعمة للوقود الأحفوري، أكثر من 1.3 تريليون دولار من السندات والقروض الخضراء، لدعم المشاريع الصديقة للمناخ خلال نفس الفترة. وكان “ويلز فارغو” أقل المصارف أداء في هذا الإطار، إذ حاز على المرتبة الأخيرة بين أكبر المقرضين العالميين لقطاع التمويل الأخضر.
ونورد هنا بعض النتائج الرئيسية من تحليل حديث لبيانات “بلومبرج” الحصرية حول النشاط العالمي في هذا المجال. وهي بيانات تعود لنحو 140 مصرفاً حول العالم.
وبحسب التحليل فإن البنوك الفرنسية تنجح بشكل كبير في التمويل الأخضر، في حين أن الصين تضم معظم المصرفيين الذين لا يزالون يجنون أرباحاً من الفحم.
وتتمثل المفاجأة الكبرى على الإطلاق في هذا المجال، بالحقبة الجديدة التي يدخلها مجال التمويل المصرفي عالي القيمة. مدعوماً بالاكتتابات المقدمة من المؤسسات المالية الكبرى مثل “جيه بي مورجان” و “سيتي جروب”. وفي العام الحالي، تفوقت مبيعات السندات والقروض، لأول مرة على الأنشطة الجديدة لتمويل الوقود الأحفوري. وذلك منذ الإعلان عن اتفاق باريس، في نهاية عام 2015.
ويشير التحول في أسواق رأس المال، في حال استمراره، إلى أن أكبر البنوك في العالم قد تصبح في نهاية المطاف، جزءا من التحرك العالمي نحو المستقبل منخفض الكربون. وقد يكون أيضاً علامة على رؤية عمالقة الصناعة المالية للميزات التي تتمتع بها المشاريع الخضراء، وذلك انطلاقاً من حسابات الربحية والخسائر.
ويعتبر “جي بي مورجان”، وهو أكبر مصارف الولايات المتحدة، الأكثر انخراطاً في صناعة الوقود الأحفوري. وحصل على رسوم تقدر بنحو 900 مليون دولار من ترتيب القروض ومبيعات السندات لشركات الطاقة منذ بداية عام 2016، بحسب بيانات “بلومبرج” ،  وهو ما يزيد عما حصل عليه أقرب منافسيه. حيث تزيد هذه القيمة بنسبة 14% عن “سيتي غروب”، و40% عن “بنك أوف أمريكا”، و60% عن “ويلز فارغو”.
ولاقى المركز المهيمن لـ “جي  بي مورجان” في هذا الجزء من الأعمال المصرفية الاستثمارية انتقادات، ليس فقط من نشطاء المناخ، بل أيضاً من المساهمين.
ورداً على ذلك، كشف المصرف، الذي يتخذ من نيويورك مقراً له، عن خطوات جديدة تهدف إلى خفض تعامله مع الشركات المُلوثة بحلول عام 2030. ومن بين المبادرات الأخرى، تعهد العملاق المصرفي بخفض الانبعاثات الكربونية في محافظ الإقراض الخاصة بقطاعات النفط والغاز والطاقة الكهربائية وصناعة السيارات.
لكن الإعلان الأخير، لم يحظ بإعجاب مجموعة “سيرا”، التي قالت إن على البنك أن يضع إنهاء التوسع في الوقود الأحفوري كشرط مسبق، لعمليات التمويل في قطاعات النفط والغاز والفحم. لكن هذا الأمر لا يحدث حالياً.
وحتى الآن من عام 2021، ساعد “جي بي مورجان” في منح قروض وسندات بقيمة 1.2 مليار دولار لشركات الطاقة. وفي الوقت نفسه، طرح البنك 256 مليار دولار من السندات للاكتتاب، وذلك منذ اتفاقية باريس.
في مجال الوقود الأحفوري، يحتل “ويلز فارجو” مكاناً بارزاً، ولكن ليس بشكل إيجابي. إذ يُصنف المصرف الذي يتخذ من سان فرانسيسكو مقراً له، على أنه ثاني أكبر منظم لطروحات السندات والقروض الخاصة بشركات الوقود الأحفوري. كما أنه يستحوذ على المركز الرابع من حيث الرسوم المكتسبة من هذه الأعمال.
وعندما يتعلق الأمر بالسندات والقروض الخضراء، فإن “ويلز فارجو” يتخذ موقفاً مناقضاً تماماً، إذ إنه يحتل المركز رقم 50 في هذا المجال، وذلك منذ اتفاق باريس للمناخ، وفقاً لبيانات “بلومبرج”. وهذا التفاوت يشير إلى أن “ويلز فارغو” يبذل جهداً أقل لدعم التحول المناخي.
حصل البنك على رسوم تقدر بنحو 565 مليون دولار من تمويل شركات النفط والغاز والفحم، ونحو 37 مليون دولار فقط من تنظيم صفقات الديون الخضراء، بحسب بيانات “بلومبرج”.
ويوضح جيرارد كاسيدي، المحلل لدى “آر بي سي كابيتال ماركتس”، أن مكانة “ويلز فارجو” الرائدة في مجال إقراض الطاقة تعود إلى عام 2012، عندما اشترى الجزء الأمريكي الشمالي من أعمال بنك “بي إن بي باريبا”.
وحتى ذلك الحين، كان “ويلز فارجو” معروفا بتقديم قروض تجارية لعملائه من الشركات، فضلاً عن دعمه للعمليات الكبيرة في مجال الرهن العقاري السكني، في الولايات المتحدة.
وقال كاسيدي إن عملاق الخدمات المالية كان مشتتاً خلال الأعوام الخمسة الماضية بسبب سلسلة من الفضائح المصرفية الخاصة بالمستهلكين. وهذا الأمر قد يفسر السبب وراء تباطؤ البنك في بناء عملياته المتعلقة بالبيئة.
لكن قد يتغير ذلك قريباً استناداً إلى البيانات الأخيرة للبنك. حيث أعرب “ويلز فارغو” عن التزامه بالتمويل المستدام، وخلال الأعوام العشرة الماضية ساعد البنك في تمويل 12% من إجمالي طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الولايات المتحدة.
وفي مارس، أعلن البنك أيضاً، عن خطط لتخصيص 500 مليار دولار لصالح الأعمال والمشاريع المستدامة بحلول عام 2030.
وتشتهر البنوك الفرنسية بهيمنتها على أسواقها المحلية، لكن هيمنتها هذه طالما كانت تقل على المسرح العالمي مقارنة بالمصارف الأمريكية. إلا أن هذا الواقع يتغير، عندما يتعلق الأمر بعالم الخدمات المصرفية الخضراء.
فمنذ نهاية عام 2015، يعتبر “كريدي أجريكول” المصرف الرائد في دعم السندات الخضراء عالمياً، متقدماً بثلاثة مراكز على العملاق المصرفي “جيه بي مورجان” ، هذا بالإضافي لمصرفين آخرين يعملان في باريس، وهما “بي إن بي باريبا” و”سوسيتيه جنرال”، اللذان يأتيان ضمن المراكز العشرة الأولى في القائمة التي وضعتها “بلومبرج”، بناء على البيانات المتوفرة.
واستطاعت البنوك الفرنسية تحديد الإقراض الأخضر باعتباره وسيلة للتميز عن منافسيها في وقت مبكر، حسبما قالت مايا غوديمر، الباحثة في “بلومبرج NEF” والموجودة في لندن. وتزايدت عروض الديون الخضراء بشكل مطرد على مدى الأعوام الخمسة الماضية، ويبدو أن نسبتها خلال عام 2021 ستكون الأكبر حتى الآن. كما باعت الجهات المُصدرة أكثر من 187 مليار دولار من السندات الخضراء، حتى الآن في عام 2021، وهو رقم يزيد بنحو ثلاثة أضعاف عن الفترة نفسها من العام الماضي.
يعتبر سوق الاكتتاب لشركات الطاقة المتجددة ضئيلاً نسبياً، خاصة عند مقارنته بالأموال التي تجنيها الشركات العاملة في مجال الوقود الأحفوري. فمنذ بداية عام 2016، استطاع منتجو الطاقة المتجددة جمع أقل من 160 مليار دولار في أسواق الديون، مقارنة بـ 3.6 تريليون دولار لمنتجي الطاقة غير المتجددة، بحسب بيانات “بلومبرج”.
وخلال هذا العام- حيث هناك توقعات بتراجع الفارق- تلقى مقدمو الطاقة الخضراء أقل من 10 مليارات دولار من مبيعات السندات والقروض، في حين حصلت شركات الوقود الأحفوري على نحو 190 مليار دولار. ومن أبرز الجهات الرائدة في إقراض شركات الطاقة المتجددة منذ عام 2016، تجد مجموعة “ميتسوبيشي يو اف جيه فاينانشال جروب” اليابانية و”بي إن بي باريبا” ومجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية. وكان “بنك أوف أمريكا” أفضل بنك أمريكي في هذا المجال، حيث احتل المركز 11 في الجدول الصادر عن “بلومبرج.
الأرقام تُظهر بوضوح صعوبة العمل المصرفي في مجال الفحم هذه الأيام.
وحتى الآن في عام 2021، لم يتم تقديم سوى 6.6 مليار دولار فقط من السندات والقروض إلى شركات الفحم، بانخفاض من 19.3 مليار دولار حققها القطاع في الفترة ذاتها من العام الماضي. وتدعم هذه البيانات القلق المتزايد بين المقرضين للعمل مع منتجي الوقود الذي يساهم في انبعاث معظم ثاني أكسيد الكربون، وذلك لكل وحدة طاقة قابلة للاستخدام يعمل على توليدها.
تعتبر الصين واحدة من الأماكن القليلة التي تجني فيها المصارف رسوماً جراء العمل مع مجال الفحم. ومنذ بداية عام 2016، ومن بين أكبر عشر عمليات اكتتاب لسندات الفحم، كانت 9 منها في الصين. ويترأس هذه المجموعة بنك الصين والبنك الصناعي الصيني ومقرهما بكين. في حين أن “دويتشه بنك” هو المقرض الوحيد غير الصيني على هذه القائمة.