سيناء بين التحرير …. والتنمية
قدس الأقداس وصندوق الكنوز، بوابة الأمن عبر العصور، في القلب والعين من كل مصري.
هكذا هي أرض الفيروز – سيناء – كما تغزّل فيها جمال حمدان وكثيرون، ينظرون إليها كعروس الوطن ومباهجه وآلامه، وهي تاريخ الكفاح والانتصارات وهي ذراع الجهاد الوطني الشريف، جذور قدسيتها مجامع الرسالات ومآل الأنبياء وهي ضاربة في أعماق الحضارة المصرية القديمة حيث ثروات تعدين العصر البرونزي الوسيط في القرن السابع والعشرين قبل الميلاد ومعبر التجارة والتفاعل الحضاري للعالم القديم -بين الحضارة المصرية على ضفاف وادي النيل والتجمعات الحضارية في بلاد الرافدين والشام- حتى بسطت مصر أول مملكة عادلة عرفها التاريخ في القرن الخامس عشر قبل الميلاد بعد طرد الهكسوس قبل القرن بقرن.
إنها سيناء؛ بنت مصر الكفاح وتاريخ النضال، معبر الأنبياء والرسل الكرام شرفها سيدنا إبراهيم عليه السلام متوجها إلى منف عائدًا بعد عام وزوجته هاجر المصريتان العرب وسيدنا إسماعيل حيث النسل الشريف لخاتم الانبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عبور يوسف واستقدام يعقوب وبنيه إلى الوادي الرحيب وخروج سيدنا موسى عليه السلام من الوادي إلى سيناء حيث تلقى الوصايا العشر وتجلى المولى عز وجل على أرضها، وتمر القرون وتشرف الأرض المباركة بمرور العائلة المقدسة السيد المسيح والسيدة مريم عليهما السلام في رحلة الثلاثة آلاف كيلومتر سيرا على الأقدام عبورا بسيناء إلى شمال الدلتا ثم إلى الجنوب والعودة إلى فلسطين العربية..
وشرفت مصر كلها بوصية الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم بأهلها وجندها المرابطين إلى أن دخلت في دولة الإسلام على يد عمرو بن العاص فكانت الدرع التاريخي ضد غزاة الشرق فكانت بوابة الصد والخروج بالزحف في وجه التتار والصليبيين وتمر القرون داخل النفق العثماني المظلم الذي وضع المنطقة بأسرها على مائدة التقسيم الأوروبي الذي زرع كياناً غريباً فكانت سيناء على موعد مع القدر فكانت ميدان الشرف والذود عن قضية القضايا وظلت مصر حاملة للدرع والسيف تدافع وتحرر وتقدم أبنائها الشرفاء ليسطروا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في جولات أربع من الكفاح ختمتها بالمعارك الدبلوماسية التي أظهرت قوتنا الناعمة المكملة لقوتنا الصلبة..
ولاننسى رباط القلوب لأهلنا في سيناء على الولاء والانتماء لمصرنا الحبيبة تجلت مظاهِرهُ في مؤتمر الحسنة أكتوبر 68 وبسالة المناضل سالم الهرش، واستردت مصر شبه جزيرة سيناء – 61 الف كم مربع – من التراب الوطني المقدس في أبريل عام 1982 لكنها لم تحظى لعقود باهتمام يليق بها أو يليق بمصر إلا أنها ظلت في القلب والعقل، فبعد أن استرد الشعب دولته في يونيو 2013 وبدأت حقبة التنمية والقضاء على الإرهاب كانت سيناء في أول الاهتمام والأولويات وبدأت التنمية في جميع المحاور على كافة الاتجاهات بها فخصصت الدولة 700 مليار جنيه لبدء المرحلة الأولى من خطة التنمية بنيت على أساس تعظيم القيمة المضافة لثرواتها البشرية والطبيعية في ظل النهوض بالبنية التحتية حيث ربط شمالها بجنوبها بما يقرب من 2400 كيلومتر من الطرق ثم ربط سيناء نفسها بالوادي عبر 6 من الأنفاق تحت قناة السويس وخمسة من الكباري فضلا عن المعديات المستمرة ذهابا وإيابا.
كما شهدت المرحلة الأولى للتنمية إنشاء العديد من التجمعات السكانية والزراعية والصناعية حيث تم إنشاء 47 ألف وحدة سكنية بالإضافة إلى 5600 بيت بدوي فضلا عن مدينة الإسماعيلية الجديدة 52 ألف وحدة سكنية ومدينة سلام مصر (شرق بورسعيد) 4340 وحدة سكنية ومدينة رفح الجديدة 10 آلاف وحدة سكنية و400 بيت بدوي ومدينة بئر العبد الجديدة 17 ألف وحدة سكنية..
أما عن خطط التنمية الزراعية كان نصيب سيناء 400 ألف فدان ووفرت لها مياه الري بترعة السلام ومحطات المعالجة الثلاثية في بحر البقر وسرابيوم والمحسمة بإنتاج 8 مليون متر مكعب يوم، كما أن سيناء تحظى بثروة من المياه الجوفية مايقرب من 173 مليار متر مكعب فتم حفر الآبار وإنشاء 15 محطة تحلية لها بالإضافة إلى 24 محطة لتحلية مياه البحر لتغطي جميع احتياجات سيناء من الشرب والصناعة والزراعة ودعمت بعشر مشروعات كبرى للصرف الصحي شمالا وجنوبا..
كما تم التوسع في إنشاء المناطق الصناعية فكانت الهيئة الاقتصادية لقناة السويس بمناطقها الواعدة شرق بورسعيد والقنطرة غرب وشرق الإسماعيلية وشمال غرب خليج السويس والعين السخنة فضلا عن المدينة المليونية شمال وسط وغرب سيناء والمنطقة الصناعية بنويبع ومدينة الأعمال بشرم الشيخ وذلك بحجم استثمارات ضخمة لتوطين الصناعات التحويلية والتكميلية وتكنولوجيا الطاقة المتجددة..
كما حظيت الثروة السمكية بنصيب وافر من الاهتمام بتطهير وإعادة تأهيل بحيرة البردويل وشرق التفريعة ومزارع شرق القنطرة ولأجل تنظيم حركة التجارة تم التوسع في توفير منافذ التجارة العالمية فتم تطوير وإنشاء موانئ العريش وشرق وغرب بورسعيد والعين السخنة والطور والادبية فضلا عن مطارات المليز والبردويل وشرم وسانت كاترين تربطها أكبر المحاور اللوجيستية وسط سيناء ومحور 30 يونيو عرب القناة.
أما عن السياحة فإن تلك الأرض الواعدة تطل علينا بالتنوع والجمال والسحر وننتظر الانتهاء من أعظم مشروعات التنمية السياحية في منطقة سانت كاترين، ولم تنسى الدولة بناء الانسان عصب التنمية فأعدت له برنامج متكامل ذو محاور متعددة ومتوازية في مجال التعليم قبل الجامعي وبعده والرعاية الصحية والثقافة والحماية الاجتماعية والأنشطة الرياضية؛ حيث 131 مدرسة (1300 فصل) وثلاث مدارس يابانية، 23 مدرسة صناعية، 8 مدارس زراعية، 15 مدرسة تجارية وأربع مدارس فندقية، أما عن الجامعي ثلاث جامعات بتسع كليات وتبني جامعة قناة السويس فرعا لها في الطور وتدعم جامعة الأزهر سيناء بثمانية كليات.
وعن قطاع الصحة فقد تم إنشاء وتطوير 13 مستشفى وأول مستشفى تعليمي في الطور فضلا عن 42 وحدة صحية ومستودعات الدواء الاستراتيجية بمدينة العريش، وتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بمحافظة جنوب سيناء بنسبة تنفيذ تفوق 95%..
وعن بناء الفكر فهناك 26 مركز ثقافي أبرزها مركز ثقافة العريش (بعد إغلاق دام عشر سنوات)، وتأتي منظومة الحماية الاجتماعية لتسجل دمج أكثر من 400 ألف مواطن ليستفيد من برامج تكافل وكرامة ومنظومة التموين ونقاط الخبز فضلا عن دعم العمالة غير المنتظمة.
وتوسعت الأنشطة الرياضية بفضل البنية الجديدة لعدد 60 ملعب خماسي وتطوير 30 مركز شباب والمدينة الرياضية بشرم الشيخ ومضمار الهجن الدولي لسباق الجمال، وبفضل الله سبحانه وتعالى فإن المرحلة الأولى نُفِذت بكاملها وبدأت المرحلة الثانية بتخصيص 363 مليار جنيه للمتبقى من خطط التنمية، ليصل إجمالي دعم سيناء بحوالي تريليون ومئة مليار جنيه لتوفير جودة الحياة وتعظيم فرص العمل والاستثمار محليا ودوليا.
خالص التحية والتقدير لذلك الشعب العريق من ساهم في التنمية والبناء في تلك البقعة الطاهرة المقدسة من أرضنا الطيبة وتحية خاصة لرجال بذلوا أرواحهم لدحض الإرهاب اللعين، سيدات ورجال مصر الأشداء في العمل والبناء والولاء لما حققوه في مسيرة التنمية في كل ربوع مصرنا الحبيبة في عبورها للجمهورية الجديدة بقيادة زعيمها المخلص الرئيس عبدالفتاح السيسي.
بقلم: لواء . د / محمد أنور الهمشري