مقالات رأي

»د.محمد راشد يكتب : المواطنة مقابل الاستثمار في العقارات .. تدفقات دولارية أصبحت تحكمها السياسه

لطالما كان المشترون الدوليون هم الدعامة الأساسية للعديد من الدول فيما يتعلق بتحفيز مبيعات العقارات لديهم ، وخلال الحقبه الاخيره إتجهت العديد من الدول لتحفيز مبيعات العقارات لديها ، في مقابل منح مجموعه من المزايا والمحفزات كمنح الإقامه أو الجنسيه ، وأصبحت العديد من الدول هي وجهة منشودة للراغبين في مستوى معيشي مرتفع يتيح ارتياد مطاعم عالمية المستوى وفرصا للتسوق والوصول إلى المرافق الطبية والمنشآت التعليمية، إلا أنه خلال الفتره الأخيره ظهر تصورا مختلفا وتم تغليفه داخل جماعات الرأي العام في العديد من الدول بأن المشترين الأجانب الأثرياء يزيحون السكان المحليين من السوق، فعلي سبيل المثال قامت إستراليا هذا العام بزيادة الرسوم المفروضة على الأجانب ثلاثة أضعاف* في حالة شرائهم منزلا قائما ورفعت الضرائب بمقدار الضِعف على من يتركون مساكنهم شاغرة ، وهو مايعني أن هناك تحول جارٍ في موقف كثير من البلدان تجاه امتلاك الأجانب للعقارات السكنية في ظل شعور بالقلق من أن يكون ارتفاع أسعار المساكن في سبيله إلى إخراج المشترين المحليين من سوق الإسكان، فقد أقرت نيوزيلندا قانونا يمنع الأجانب من شراء بعض العقارات السكنية في عام 2018 ، وفي كندا، تم تمديد حظر مدته عامان على تَمَّلُك الأجانب للعقارات بحيث أصبح ينتهي في 2027 بعد أن كان من المقرر انتهاؤه في الأول من يناير 2025.

وبحسب ما أوردته شركة نايت فرانك للاستشارات العقارية العالمية في “تقرير الثروة” (Wealth Report) لعام 2024*، فإن إجراء انتخابات في 70 بلدا في عام 2024 وضع الأثرياء الباحثين عن عقارات في الخارج أمام مشهد عالمي يتألف من مكونات متعددة ومتغيرة، بما في ذلك القيود على المشترين الأجانب والعقارات التي يأجرونها لقضاء العطلات، وعلى القواعد المنظِّمة للتخطيط العمراني، والضرائب العقارية ، ومع تصاعد الدين العام وانخفاض القدرة على تحمل تكلفة السكن في مختلف الاقتصادات المتقدمة، يميل صناع السياسات إلى زيادة التدقيق في الثروات والممتلكات، وهو ما يضيف بُعدا آخر للاعتبارات الاستراتيجية المتعلقة بأصحاب الثروات الصافية الفائقة.

وبلاشك استفادت العديد من دول العالم لفترة طويلة من رغبة الأثرياء في شراء عقارات بعيدا عن بلدانهم الأصلية – بغية تأمين مستوى أفضل من التعليم ونمط الحياة لأسرهم، وحماية ثرواتهم من النظم المحلية التي تفرض عليهم ضرائب مرتفعة، وأحيانا لإخفاء أموال حصلوا عليها بطرق غير مشروعة عن السلطات ، وبعد أن كان ما يُسمى ببرامج التأشيرة الذهبية – أي الإقامة أو المواطنة مقابل الاستثمار بمستوى معين، غالبا في العقارات – حكرا على الدول الجزرية الصغيرة، مثل سانت كيتس ونيفيس، بات من المعتاد عرضه للراغبين في عدد متزايد من الدول بفضل ما يجلبه المشترون الدوليون معهم من تدفقات دولارية ،فقد أطلقت اليونان، على سبيل المثال، برنامج التأشيرة الذهبية عام 2013 في الوقت الذي كانت تكافح فيه للخروج من أزمة الديون التي هددت عضويتها في منطقة اليورو، ولدى البرتغال ترتيب مماثل ينطبق على “المقيمين غير الدائمين” الذين تطبق عليها معدلات ضريبية أقل.

وفي دول أخري مثل دول الاتحاد الأوروبي مثل اليونان والبرتغال أثار الموضوع قلق السلطات أيضا من احتمال أن يكون ذلك سبيلا لحصول المجرمين على حقوق المواطنة والإقامة ولتسهيل غسل الأموال، وهو قلق تردد صداه في دول أخرى حول العالم قدمت للأثرياء حوافز للاستثمار في العقارات ،وفي شهر إبريل 2025، أعلنت إسبانيا أنها ستنهي برنامجها؛ وقامت المفوضية الأوروبية، التي تعتبر برامج الجنسية عن طريق الاستثمار في العقارات غير قانونية بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، بمقاضاة مالطا في محكمة العدل وطعنت في برنامجها.

و في الوقت الذي تتراجع فيه بعض الدول عن الحوافز التي كانت تجتذب المشترين الأجانب – ومن بينها سنغافورة التي ضاعفت ضريبة الدمغة على الأجانب إلى 60% لتخفيف ضغوط الإسكان هناك – فلا تزال بعض الدول الأخرى تحاول اجتذاب مثل هذا النوع من الأعمال ، فنجد أن دبي تتيح لمستثمري العقارات، ورجال الأعمال، ومن يملكون مهارات متخصصة كالأطباء أو مهندسي البرمجيات، الإقامة في الإمارات العربية المتحدة التي لا تفرض ضرائب.