تقارير

نائب محافظ المركزي : لا نتدخل في سوق الصرف ونتركه يتصرف بحرية

قال رامي أبو النجا إننا لا نرى فائدة حقيقية من مثل هذا التدخل في هذه المرحلة والسوق يتفاعل الآن ويُصحح نفسه ذاتيًا مما يمنع تراكم أزمات أكبر لاحقًا

نعمل منذ سنوات على تنويع شراكاتنا التجارية والانفتاح على كتل اقتصادية إقليمية وعالمية مختلفة فالاعتماد على سوق واحدة ليس في مصلحة أي صانع سياسة

صافي الأصول الأجنبية يسجل اليوم فائضا يبلغ 10 مليارات دولار بدلا من سالب 29 مليار دولار في يناير 2024

ارتفع احتياطي النقد الأجنبي من نحو 35 مليار لأكثر من 47 مليار دولار وانخفض الدين الخارجي من 168 مليار لنحو 155 مليار دولار

هدف بيع أصول بقيمة ملياري دولار لا يزال قائمًا لكننا أعدنا تكوين بعض المستهدفات بناءً على تطورات المشهد العالمي

التضخم سيبقى محور السياسات النقدية وسنتخذ كل الإجراءات الضرورية لتحقيق هذا الهدف

القاهرة -خاص-

شارك رامي أبو النجا نائب محافظ البنك المركزي في فعاليات مؤتمر هيرميس الاستثماري المنعقد بدبي ، اليوم ، بحضور عدد من كبار المستثمرين الدوليين والمؤسسات المالية العالمية.

وقال أبو النجا ، في كلمته بالمؤتمر ، من الواضح أن النظام العالمي الجديد وتغير موازين القوى الاقتصادية له تأثيره العميق على الأسواق، التي أصبحت مضطربة ومليئة بعدم اليقين ، والطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا الواقع، في رأينا، هي الاستعداد الدائم، وتوفير السياسات الصحيحة، ومجموعة أدوات اقتصادية قادرة على امتصاص الصدمات، لأن هذه الأزمات، في معظم الأحيان، لا يمكن تفاديها.

تابع : وفي حالة مصر، كنا مستعدون بالفعل، حيث وضعنا سياسات استباقية تحمينا قدر الإمكان ، نحن في منطقة حساسة ومليئة بالتوترات الجيوسياسية، ولذلك كنا في حالة تأهب مستمر، وقد كان من المهم جداً الاستمرار في تطبيق سياسات تعزز مناعة الاقتصاد المصري.

أضاف : لقد بنينا احتياطيات وحواجز مالية واقتصادية على مدار السنوات الماضية، تساعدنا على تقليل الآثار السلبية لأزمات كهذه ، صحيح أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بعمق أو مدى الأزمة التي ما تزال تتكشف، لكننا نحاول استيعابها وتقدير تبعاتها بشكل مستمر ، وبالمثل لما حدث خلال جائحة كورونا، حيث لم نكن نعرف المسار المستقبلي، نحن اليوم أمام نظام عالمي جديد غير واضح المعالم، لكننا نركز على الحفاظ على سياسات مرنة ومدروسة، ومواصلة الإصلاحات بثقة، لأنها السبيل الوحيد لتقوية مناعة الاقتصاد.

أوضح ابو النجا أنه أما فيما يخص تأثير التعريفات الأخيرة على مصر، فبالطبع نحن نقوم بتقييم التأثيرات بدقة ، المخاطر على النمو العالمي واضحة، ومصر لن تكون بمنأى عنها ، ومن أبرز الآثار المتوقعة لدينا قد تكون في تراجع حجم التجارة العالمية، ما سيؤثر سلبًا على حركة المرور في قناة السويس، التي تعاني أصلاً من تباطؤ التجارة ، كما أن شهية المستثمرين قد تتأثر أيضًا ، لكن بفضل استمرارنا في تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية، فإننا نثق بأن أداءنا الاقتصادي الجيد سيبقى أحد العوامل الدفاعية القوية، وسيساهم في إبقاء مصر على رادار المستثمرين، سواء كانوا مستثمرين مباشرين أو عبر المحافظ المالية.

أكد نائب محافظ البنك المركزي المصري أن السياسة النقدية في مصر لم تعد تُدار بشكل تقليدي أو كرد فعل مباشر على أحداث مفاجئة ، نحن نسمح للسوق بالتفاعل بشكل طبيعي ، وبالفعل، رأينا بعض التدفقات الرأسمالية الخارجة مؤخرًا، وهو أمر مبرر في ظل حالة عدم اليقين السائدة، لكن السوق بات قادراً على امتصاص الصدمات بشكل لحظي.

تابع : سوق الصرف لدينا أصبح يمثّل أداة لامتصاص الصدمات، بدلاً من تراكم الاختلالات كما كان يحدث سابقًا ، الآن السوق يتفاعل ويُصحح نفسه ذاتيًا، مما يمنع تراكم أزمات أكبر لاحقًا ، وبهذا الشكل، نحن لا نتدخل، بل نترك السوق يتصرف بحرية، لأننا لا نرى فائدة حقيقية من التدخل في هذه المرحلة.

أضاف : التجارة بين مصر والولايات المتحدة تمثل حوالي 7% من إجمالي التجارة الخارجية لمصر ، الصادرات إلى أمريكا حوالي 5.5% من إجمالي صادراتنا، والواردات تمثل نحو 11%. وبالتالي، نعم، العلاقة ليست هامشية، لكنها ليست حرجة إلى درجة الخطر ، ومع ذلك، من المهم دائمًا الحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة مع الشركاء التجاريين الرئيسيين، والولايات المتحدة تُعد من أهمهم ، لكن الاعتماد على سوق واحدة ليس في مصلحة أي صانع سياسة، لذلك نعمل منذ سنوات على تنويع شراكاتنا التجارية والانفتاح على كتل اقتصادية إقليمية وعالمية مختلفة.

أكد أبو النجا أنه من ناحية الرد أو التفاوض، فهو من اختصاص الجهات السياسية، وسنتركها للسياسيين ليقوموا بما يجيدونه ، ومن جهتنا، سنواصل التركيز على الإصلاحات الاقتصادية، وتعزيز مرونة الاقتصاد لمواجهة أي تطورات مستقبلية.

تابع : اختياري في هذا السياق هو التركيز على ما يجب فعله الآن ، وأعتقد أننا حققنا الكثير خلال السنوات القليلة الماضية، لكن لا يزال هناك الكثير مما يجب إنجازه ، وسأركز أنا والفريق على الاستمرار في بناء الاحتياطيات، واعتماد السياسات السليمة، بدلاً من الانشغال بالسيناريوهات المحتملة.

أضاف : لا توجد إرشادات واضحة لكيفية تطور الأمور ، وإذا قرأت أي من التحليلات الحالية، فالجميع يتفق على أن هذه واحدة من أكثر الفترات غموضًا وصعوبة في التنبؤ ، ولذلك، من المهم ألا نشتت أنفسنا بما يحدث، بل نواصل التركيز ونتخذ الخطوات الصحيحة، فهذا هو الرهان الأفضل في هذه الظروف الصعبة وغير المؤكدة.

أكد نائب محافظ البنك المركزي أن السياسات السليمة والمستدامة هي الأهم ، يمكنك أن تبدأ بشكل جيد، لكن الحفاظ على الزخم في ظل الصدمات الخارجية العديدة هو التحدي الحقيقي ، ما فعلناه هو أننا واصلنا تطبيق السياسات التي نعتبرها أساسية لبقائنا، خاصة في أوقات الأزمات.

تابع : لقد تعرضنا لاختبارات عديدة خلال العام الماضي، وكان السوق يراقب عن كثب: هل ستصمد مصر أم لا؟ الاستمرارية هي الأساس، وكان علينا أن نُرسّخ هذه السياسات داخل المؤسسات بطريقة تمنع تغيّرها بتغيّر الرؤى أو الآراء، لأننا نعلم حجم الضغوط والآراء المتضاربة التي قد تشتت التركيز ، قمنا بتقييم وضع مصر الخارجي وحددنا مكامن الضعف التي ساهمت في الأزمة السابقة، وكان من المهم أن نكون واقعيين وصريحين بشأن ما يجب فعله ، وفي قلب استراتيجيتنا، سمحنا للعملة بأن تعمل كأداة لامتصاص الصدمات بدلاً من تضخيم أثرها ، كذلك، ركزنا على النقاط التي كانت مصدر قلق، مثل صافي الأصول الأجنبية والديون الخارجية.

أضاف : في يناير 2024، كان صافي الأصول الأجنبية لدينا سالب 29 مليار دولار، وقد تحوّل اليوم إلى فائض يبلغ 10 مليارات دولار ، وفي الوقت ذاته، ارتفع احتياطي النقد الأجنبي من حوالي 35 مليار دولار إلى أكثر من 47 مليار دولار ، كما انخفض الدين الخارجي من 168 مليار دولار إلى حوالي 155 مليار دولار ، وهذه النتائج تعكس تطورًا حقيقيًا، ونعتقد أن هذه الاحتياطيات ستستمر في التحسن، لأنها السبيل الوحيد لتحصين الاقتصاد من صدمات متواصلة.

أشار أبو النجا إلى أن الفكرة في برنامج بيع الأصول لا تتمثل في سد الفجوة التمويلية، بل من أين يأتي التمويل وكيفية تدفقه ، مصر نجحت في دخول الأسواق المالية، لكن هناك تصور ، وربما واقع ، أن مصر اعتادت الاعتماد أكثر على الديون لتمويل احتياجاتها، في حين أن قدراتها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تزال دون المستوى الذي تستحقه ، لذا أعتقد أن هناك تحولاً في التفكير ، وبات هناك قناعة لدى جميع الأطراف داخل الدولة بأن مصر تملك أصولًا ضخمة يمكن تفعيلها، ليس فقط لجلب الأموال، بل لتحفيز القطاع الخاص، وتحسين الحوكمة، وتعظيم القيمة الاقتصادية للأصول.

تابع : نحن نعيش مرحلة جديدة في تاريخ مصر، حيث تشهد الاستثمارات الأجنبية تحولاً في طبيعتها، والحكومة توفر بيئة مشجعة للمستثمرين المحليين والدوليين ، لذلك نتوقع أن نشهد نمطًا متسارعًا في الاستثمار خلال الفترة المقبلة، يكون مكملًا للدخول إلى أسواق الدين وليس بديلاً عنها ، مصر ستُقدِّم نفسها كأحد أبرز الوجهات الاستثمارية، من خلال توفير بيئة جاذبة ومحفزة للمستثمرين.

أضاف : انظر إلى ما تقوم به الحكومة على مستوى الإصلاحات الهيكلية، خاصة في ما يتعلق بسياسات الضرائب ، هناك تصميم حقيقي على تغيير ليس فقط الانطباع، بل أيضًا التجربة الفعلية للمستثمرين في هذا الجانب ، وهناك جهد واضح لتوسيع القاعدة الضريبية، من خلال تسهيلات وإصلاحات ضريبية بدأنا بالفعل في رؤيتها. ولكن الأهم من ذلك، هو تحقيق الحياد التنافسي، أي توفير بيئة عادلة ومتكافئة تسمح للقطاع الخاص بأن يكون جزءًا أكبر وأكثر تكاملًا في الاقتصاد وهو أمر بديهي.

وبحسب أبو النجا ، فإن هدف بيع أصول بقيمة ملياري دولار لا يزال قائمًا، لكننا أعدنا تكوين بعض المستهدفات بناءً على تطورات المشهد العالمي ، لا نزال نعمل وفقًا لهذا الهدف، لكنه، بطبيعة الحال، يعتمد على شهية المستثمرين العالمية ، صندوق النقد الدولي كان متفهماً جدًا لهذه الظروف، وقد أتممنا المراجعة الرابعة بنجاح، ونستعد للمراجعة الخامسة قريبًا ، هناك قناعة من الطرفين بأننا قادرون على تحقيق جميع الأهداف، بما في ذلك مستهدفات الاستثمار الأجنبي المباشر.

تابع : ما حدث في صفقة رأس الحكمة كان مُدارًا بطريقة مثيرة للاهتمام، والحكومة أحسنت توظيف العائدات، 24 مليار دولار دخلت كتمويل مباشر، و11 مليار تم تحويلها إلى العملة المحلية ، الرسالة كانت واضحة وهي أنه يجب أن نجذب المزيد من الاستثمارات إلى الأصول المحلية ، ليس فقط من أجل القيمة المالية، بل لتعزيز الحوكمة، وتطوير إدارة الأصول، وخلق قيمة مضافة، خصوصاً في قطاعات غير العقار.

أضاف : في الوقت الحالي، لا أملك معلومات يمكنني مشاركتها بشأن صفقات مستقبلية، لكن من المؤكد أن الحكومة حريصة على الاستمرار، وهناك وزير استثمار جديد يقوم بخطوات جادة لتحسين بيئة الاستثمار ، الأهم هو أن هذه العمليات تُدار بأكثر الطرق كفاءة. استفدنا من العائدات في بناء احتياطياتنا، وخفضت وزارة المالية اعتمادها على الاقتراض المحلي، وقللت من الدين الداخلي ، كل هذه مؤشرات إيجابية، وسنواصل البناء عليها إذا واصلنا هذا النهج في التعامل مع الاستثمارات الوافدة.

أكد نائب محافظ البنك المركزي أن الاستقرار السعري هو جوهر تفويض البنك المركزي ، وقد شهدنا معدلات تضخم قياسية في مصر ، ففي سبتمبر 2023 بلغ التضخم العام والأساسي حوالي 38-40%. ، وهذا أمر لا يمكن استمراره، لذلك استخدمنا كافة الأدوات التقليدية وغير التقليدية لمحاصرة التضخم، وبدأنا نلمس نتائج إيجابية.

تابع : في فبراير، سجلنا معدل تضخم بلغ 12.8%، وهو أقل من توقعاتنا ، وهو مؤشر إيجابي جداً ، نستهدف أن يصل التضخم إلى 7% ± 2% في الربع الأخير من 2026، ونركز على ترسيخ توقعات السوق حول هذا الهدف، رغم صعوبة تحقيق ذلك في بيئة عانت من تضخم مرتفع لعقد كامل ، ولذلك، نؤكد على أن التضخم سيبقى محور السياسات النقدية، وسنتخذ كل الإجراءات الضرورية لتحقيق هذا الهدف ، سمعتنا كمؤسسة نقدية تعتمد على نجاحنا في تحقيق هذا التوجه، ولا مجال للمجازفة هنا.

قال أبو النجا أنه لا شيء يمنعنا فعليًا من خفض أسعار الفائدة ، نحن لا نرى قيودًا ، عندما نقيّم السياسة النقدية، نقوم بذلك وفقًا لتوقعات مستقبلية (ex-ante)، وليس بناءً على بيانات ماضية (ex-post ، فقد يكون التضخم اليوم أقل، لكننا نريد التأكد من أن لدينا هامش أمان كافٍ لضمان استمرار تراجع التضخم في المستقبل، وهو ما نعتقد أنه يحدث الآن.

نحن ننتظر المزيد من البيانات والمؤشرات التي تدعم قرار البدء في تخفيف السياسة النقدية ، وهناك حالة من عدم اليقين العالمي ستؤخذ بعين الاعتبار في الاجتماع القادم بعد أسبوعين تقريبًا ، القرار يُتخذ بشكل جماعي من قِبل أعضاء مستقلين في لجنة السياسة النقدية ، وعندما نكون واثقين من أن قرار التيسير يمكن أن يُطبق باستدامة ، وليس مجرد قرار عابر ، سنتحرك ، لا نريد تقلبات حادة في السوق، بل نهج تدريجي ومدروس، يُرسل إشارات واضحة للمستثمرين والأسواق.