تقارير

إتحاد شركات التأمين يناقش أثر الاقتصاد التشاركي فى صناعة التأمين

احمد دياب

مفهوم الاقتصاد التشاركي

الاقتصاد التشاركي هو نظام يقوم على مبدأ تبادل الأصول والخدمات بين الأفراد والشركات عبر منصات إلكترونية تتيح التفاعل المباشر بين الطرفين و يتميز هذا النموذج بعدم الحاجة إلى ملكية الأصول بشكل كامل، بل يركز على الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة وقد أدى ظهور هذا المفهوم إلى تغيير جذري في أنماط الاستهلاك والإنتاج مما جعل من الممكن مشاركة أي شيء تقريبًا من السيارات إلى المساحات السكنية والمعدات المهنية والخبرات.

كيف تطور الاقتصاد التشاركي

منذ ظهور الاقتصاد التشاركي في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نما ليمثل جزءاً متوسطا ولكنه جزء مهم من الاقتصاد العالمي، ففي عام 2017، توقع معهد بروكينجز أن ينمو اقتصاد المشاركة من 14 مليار دولار في عام 2014 إلى 335 مليار دولار بحلول عام 2025 .ثم ارتفعت هذه الأرقام بشكل كبير خلال بضع سنوات. ففي عام 2022، قدّرت شركة Allied Market Research القيمة السوقية للاقتصاد التشاركي بـ 387.1 مليار دولار أمريكي، ثم ارتفعت إلى 450 مليار دولار في عام 2024 . وتوقعت الشركة أن تصل القيمة السوقية للاقتصاد التشاركي بحلول عام 2032 إلى 827.1 مليار دولار أمريكي .

تطور الاقتصاد التشاركي على مدى السنوات القليلة الماضية ليشمل مجموعة واسعة من المعاملات الاقتصادية عبر الإنترنت والتي قد تشمل أيضًا التفاعلات بين الشركات :

وتشمل المنصات التي انضمت إلى اقتصاد المشاركة ما يلي:

• منصات العمل المشترك : الشركات التي توفر مساحات عمل مفتوحة مشتركة للعاملين لحسابهم الخاص، ورجال الأعمال، والموظفين الذين يعملون من المنزل .

• منصات الإقراض من نظير إلى نظير : يقوم الأفراد بإقراض الأموال لأفراد آخرين بمعدلات أرخص من تلك المتوفرة لدى المقرضين التقليديين.

• منصات الأزياء : يقوم الأفراد ببيع أو تأجير ملابسهم.

• منصات العمل المستقل : يجد العاملون المستقلون، من الكتاب إلى الحرفيين، الوظائف التي ينشرها الأفراد أو الشركات.

اهمية الاقتصاد التشاركي :

• تعزيز الكفاءة الاقتصادية:

يساعد الاقتصاد التشاركي على تقليل الخسارة من خلال الاستخدام الأمثل للموارد مثل تأجير السيارات الفارغة أو مشاركة أماكن الإقامة غير المستخدمة مما يزيد من الإنتاجية والاستفادة من الأصول القائمة ويساعد علي سهولة استخدامها

• توفير فرص اقتصادية جديدة :

يفتح الاقتصاد التشاركي المجال أمام الأفراد لكسب دخل إضافي من خلال تأجير ممتلكاتهم أو تقديم خدماتهم مثل العمل عبر منصات التوصيل (Freelance) أو التأجير قصير الأجل لتحقيق افضل استفادة من الدخل

• خفض التكاليف للمستهلكين :

يمكن للمستهلكين الحصول على الخدمات والمنتجات بأسعار أقل مقارنة بالخيارات التقليدية، نظرًا لأن الاقتصاد التشاركي يعتمد على تقليل الوساطة وتقليل تكاليف التشغيل

• تحفيز الابتكار وريادة الأعمال :

يشجع هذا النموذج ظهور مشاريع جديدة تعتمد على التكنولوجيا مثل منصات توصيل الطعام أو مشاركة السيارات مما يدعم الابتكار والنمو الاقتصادي

• تحقيق الاستدامة البيئية :

يسهم الاقتصاد التشاركي في تقليل التأثير البيئي من خلال تقليل الحاجة إلى إنتاج موارد جديدة مثل مشاركة السيارات التي تقلل من عدد المركبات على الطرق وبالتالي تخفف الازدحام وانبعاثات الكربون

• تعزيز العلاقات المجتمعية :

من خلال تسهيل التفاعل والتعاون بين الأفراد الذي يساعد الاقتصاد التشاركي في بناء مجتمعات أكثر ترابطًا ويعزز الثقة بين المستخدمين

تأثير الاقتصاد التشاركي على قطاع التأمين :

يؤثر الاقتصاد التشاركي بشكل كبير على قطاع التأمين حيث يخلق تحديات وفرصًا جديدة لهذا القطاع التقليدي و يمكن تلخيص تأثيره على التأمين في النقاط التالية:

1. تطوير منتجات تأمينية جديدة:

مع انتشار نماذج المشاركة في السكن و النقل والخدمات أصبح من الضروري تطوير منتجات تأمينية مخصصة تلبي احتياجات الأفراد المشاركين في هذا النوع من الاقتصاد و على سبيل المثال أصبح هناك حاجة إلى تأمين خاص للمنازل المؤجرة عبر منصات مثل Airbnb وتأمين للسيارات المستخدمة في خدمات النقل التشاركي مما يساهم في توفير حماية مالية للمستخدمين ويقلل من المخاطر المرتبطة باستخدام الموارد المشتركة

2. التأمين عند الطلب :

في الاقتصاد التشاركي لا يحتاج الأفراد إلى تأمين دائم بل يحتاجون إلى تغطية قصيرة الأجل تتناسب مع فترات الاستخدام ، و هذا يتطلب من شركات التأمين تطوير وثائق تأمين مرنة يمكن تفعيلها عند الحاجة فقط مما يقلل من التكاليف التي تقع على كاهل المستخدمين .و يُعتبر التأمين عند الطلب حلاً مبتكرًا يساعد الأفراد على تجنب التكاليف الباهظة للتأمين التقليدي ويتيح لهم الحماية عند الحاجة فقط.

3. تحديات تقييم المخاطر

يعتمد التأمين التقليدي على نماذج تقييم المخاطر بناءً على سجلات ثابتة مثل سجل القيادة أو التاريخ الائتماني و لكن في الاقتصاد التشاركي يختلف مستخدمو الأصول بشكل مستمر مما يجعل تقييم المخاطر أكثر تعقيدًا . ويتطلب هذا الاعتماد على البيانات الضخمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستخدمين وتحديد مستوى المخاطر بدقة أكبر كما تقوم شركات التأمين الحديثة بتطوير نماذج تحليل بيانات متقدمة لفهم المخاطر في البيئة التشاركية.

4. تعزيز استخدام التكنولوجيا في التأمين:

أثّر الاقتصاد التشاركي علي تسريع تبني شركات التأمين للتكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، لجمع البيانات وتحليلها من أجل تقديم عروض تأمينية مخصصة وفورية و يمكن استخدام أجهزة الاستشعار في السيارات لجمع بيانات القيادة وتقديم عروض تأمين شخصية بناءً على سلوك السائق الفعلي وكما أن استخدام العقود الذكية وتقنيات البلوكتشين يمكن أن يسهم في تحسين موثوقية العقود التأمينية وتسهيل عمليات المطالبات.

5. زيادة المخاطر القانونية والتنظيمية:

مع زيادة وتيرة انتشار الاقتصاد التشاركي تواجه شركات التأمين تحديات قانونية جديدة فيما يتعلق بتحديد المسؤوليات القانونية في حالات الأضرار أو الحوادث و على سبيل المثال في حالة وقوع حادث لسيارة تعمل في خدمة نقل تشاركي، قد يكون من الصعب تحديد الجهة المسؤولة بين السائق، المنصة الوسيطة، أو شركة التأمين وهذا يتطلب تعاونًا بين الحكومات والمنصات التشاركية وشركات التأمين لإيجاد حلول تنظيمية فعالة.

6. زيادة الحاجة إلى التأمين ضد المخاطر السيبرانية:

تعتمد منصات الاقتصاد التشاركي بشكل أساسي على التكنولوجيا الرقمية مما يجعلها عرضة للهجمات الإلكترونية. وبالتالي، أصبحت هناك حاجة متزايدة لتطوير منتجات تأمينية تحمي هذه المنصات والمستخدمين من مخاطر الاحتيال والاختراقات الأمنية ويُعتبر الأمن السيبراني من أهم الأولويات لشركات التأمين في العصر الرقمي حيث تسعى إلى توفير حماية متقدمة ضد التهديدات الإلكترونية.

7. تحفيز الابتكار في صناعة التأمين :

مع زيادة الطلب على نماذج تأمين أكثر مرونة أصبح قطاع التأمين مطالبًا بتقديم حلول مبتكرة تتناسب مع متطلبات الاقتصاد التشاركي قد يشمل ذلك تطوير برامج تأمين قائمة على الاشتراك الشهري أو التأمين الذكي القائم على البيانات الحية و يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في تقديم منتجات تأمينية مرنة وقابلة للتخصيص وفقًا لاحتياجات الأفراد

تأثير الاقتصاد التشاركي على أسعار التأمين :

مع زيادة الاتجاه نحو مشاركة الأصول قد يؤدي ذلك إلى تقليل مخاطر التلف أو الحوادث من خلال تقنيات مثل التقييم المستمر للسائقين أو المستأجرين ، وفي المقابل قد ترتفع أسعار التأمين لبعض الفئات بسبب زيادة الاستخدام الكثيف للأصول المشتركة و تعمل شركات التأمين على تطوير نماذج تسعير جديدة تعكس سلوك المستخدمين ومستوى المخاطر الفعلي.

دراسة خبرة الشركات العالمية في مجال التأمين على أعمال الاقتصاد التشاركي:

o أبرمت منصة Airbnb شراكة مع لويدز لندن لتقديم برنامج تأمين لحماية المضيف الذي يهدف إلى توسيع التغطية الأساسية لتشمل مضيفي Airbnb ومُلّاك العقارات.

o ابتكرت إحدى الشركات الفرنسية للتأمين حلولا مخصصة تمكن شركات الاقتصاد التشاركي التي تعمل في تسهيل مشاركة الممتلكات بما في ذلك الكاميرات والمعدات الخارجية والرياضية و الأجهزة الإلكترونية والأدوات وما إلى ذلك من ترتيب تأمين جماعي يغطي كاملا من المقرضين والمقترضين كجزء من عرض القيمة للعميل.

o قامت إحدى شركات التأمين السويسرية العالمية في عام 2015 بإنشاء “مجموعة عمل الاقتصاد التشاركي” لاستكشاف الفرص المتاحة في هذا القطاع. وتعمل مجموعة العمل متعددة الوظائف على تطوير استراتيجية تبني الاقتصاد التشاركي و المساعدة في تطوير منتجات وحلول جديدة و تشمل بعض مبادرات الشركة التي تم اطلاقها في مجال الاقتصاد التشاركي اتفاقية مع منصة أوبر للتوسع في تأمين السائقين، والشراكة مع منصة Airbnb كجزء من تأمين حماية المضيف.

o أنشأت إحدى شركات التأمين الألمانية وحدة مخصصة للقنوات البديلة مثل الاقتصاد التعاوني حيث كان التركيز في الغالب على التأمين على السيارات و بعض المبادرات التي أطلقتها الشركة في مجال الاقتصاد التشاركي: توفير تغطية تأمينية شاملة لممتلكات الغير والسرقة لعملاء التأمين على السيارات الخاصة الذين يقدمون خدمات مشاركة الركوب.

o قامت إحدى شركات إعادة التأمين الألمانية الرائدة بتبني بعض المبادرات لتدعيم ً الاقتصاد التشاركي وتطوير نظام بيئي يسمح لشركات التأمين المبتدئة ببناء شراكات معا.

التحديات التي تواجه الاقتصاد التشاركي :

رغم الفوائد العديدة التي يقدمها الاقتصاد التشاركي إلا أنه يواجه مجموعة من التحديات التي تعيق انتشاره وتطبيقه على نطاق واسع ومن أبرز هذه التحديات:

1- التنظيم والتشريعات :

يواجه الاقتصاد التشاركي غموضًا قانونيًا في العديد من الدول حيث لم يتم وضع قوانين واضحة لتنظيمه و قد تصطدم منصات الاقتصاد التشاركي بالقوانين المحلية مثل الضرائب و تصاريح العمل وحماية المستهلك كما تتخوف الحكومات من فقدان السيطرة على بعض القطاعات التقليدية بسبب هيمنة المنصات التشاركية.

2- حماية حقوق العاملين والمستهلكين

في كثير من الأحيان لا يحصل مقدمو الخدمات (مثل سائقي أوبر أو المضيفين في Airbnb) على مزايا العمل التقليدية مثل التأمين الصحي أو معاشات التقاعد.

يمكن أن يتعرض المستهلكون لمخاطر متعلقة بالجودة والأمان خاصة في غياب آليات فعالة لحل النزاعات أو التعويض عن الأضرار.

3- المنافسة مع القطاعات التقليدية :

يواجه الاقتصاد التشاركي مقاومة قوية من القطاعات التقليدية مثل شركات النقل والفنادق التي تعتبره تهديدًا لمصالحها.

قد يؤدي عدم تكافؤ الفرص بين الشركات التقليدية والشركات التشاركية إلى خلق بيئة غير عادلة في السوق.

4- الخصوصية وأمان البيانات :

تعتمد المنصات التشاركية على جمع وتحليل كميات كبيرة من بيانات المستخدمين مما يجعلها عرضة للاختراقات الأمنية.

قد تواجه الشركات مشكلات قانونية بسبب إساءة استخدام بيانات العملاء أو عدم الامتثال لقوانين حماية البيانات.

5- غياب الثقة والمخاطر الأمنية :

قد يجد المستخدمون صعوبة في الثقة بالأشخاص الذين يتعاملون معهم عبر المنصات التشاركية، خاصة في الخدمات التي تتطلب التفاعل المباشر.

يمكن أن تحدث عمليات احتيال أو سوء استغلال، مثل تأجير ممتلكات غير قانونية أو تقديم خدمات منخفضة الجودة.

6- التفاوت الاقتصادي والاجتماعي :

يمكن أن يؤدي الاقتصاد التشاركي إلى تعزيز الفجوة الاقتصادية، حيث يستفيد الأفراد الذين يمتلكون موارد بالفعل أكثر من غيرهم.

في بعض الحالات قد يزيد من أسعار العقارات في المدن بسبب زيادة الطلب على الإيجارات قصيرة الأجل عبر منصات تسويق العقارات

7- التأثير على سوق العمل :

قد يؤدي اعتماد الشركات على العمال المستقلين بدلاً من الموظفين الدائمين إلى انخفاض الأمان الوظيفي. فقد يتم استغلال العمال من خلال العقود غير المستقرة والأجور المنخفضة، مما يزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي

يشكّل الاقتصاد التشاركي نقلة نوعية في المفهوم التقليدي للنشاط الاقتصادي، ويعبر عن توجّه عالمي حديث نحو تعظيم الاستفادة من الموارد وتحقيق الاستدامة. وفي هذا الإطار، يرى اتحاد شركات التأمين المصرية ضرورة أن يواكب قطاع التأمين هذا التحول من خلال تطوير حلول تأمينية مبتكرة ومرنة، تستجيب لاحتياجات الأفراد والمنصات العاملة ضمن هذا النموذج، مثل تأمين المركبات المُشغّلة من عدة أطراف، والوحدات السكنية المؤجرة، والممتلكات المستخدمة في تقديم الخدمات.

ويؤكد الاتحاد أهمية التنسيق مع الجهات الرقابية والتشريعية لضمان توفير بيئة تنظيمية متطورة تدعم دمج الاقتصاد التشاركي في النظام التأميني، وتكفل الحماية اللازمة لجميع الأطراف. كما يرى أن الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار يمثل ركيزة أساسية لتمكين شركات التأمين من مواكبة هذا التطور ودعمه بشكل مستدام، بما يسهم في تعزيز الاقتصاد المصري بشكل عام.

ومع ما يطرحه الاقتصاد التشاركي من تحديات جديدة، يتعين على شركات التأمين تبني استراتيجيات متطورة ترتكز على استخدام التكنولوجيا الحديثة والبيانات الضخمة، بما يمكنها من تصميم منتجات تأمينية متوافقة مع متطلبات هذا النموذج الديناميكي. ومن خلال هذه الجهود، يمكن للقطاع أن يحقق تحولًا إيجابيًا يعزز من كفاءته ومرونته واستدامته على المدى الطويل.

وفي ظل البيئة الرقمية المتسارعة، يجب أن يتحول التأمين من مجرد رد فعل إلى دور استباقي فعّال، وأن يواكب طبيعة المخاطر الحديثة من خلال دمج الحلول التقنية المتقدمة مع خبرات متخصصة في إدارة مخاطر الأعمال الرقمية، بما يعزز دوره في الحماية والوقاية على نحو أكثر كفاءة وفاعلية.