ترامب يؤكد إحراز تقدم «جيد جداً» في المحادثات التجارية بين واشنطن وبكين

احمد دياب
تستأنف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين لليوم الثاني، بحسب مسؤول أمريكي، في وقت يسعى فيه الجانبان إلى تخفيف التوترات بشأن صادرات التكنولوجيا وعناصر الأرض النادرة.
وكان ممثلو البلدين قد أنهوا اليوم الأول من المفاوضات في لندن بعد أكثر من ست ساعات من الاجتماعات داخل مبنى لانكستر هاوس التاريخي، القريب من قصر باكنغهام، وانتهت المحادثات قرابة الساعة الثامنة مساءً بتوقيت لندن. ومن المقرر أن يلتقي المفاوضون مجددًا يوم الثلاثاء في تمام العاشرة صباحًا في العاصمة البريطانية، وفقًا للمصدر.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصحفيين في البيت الأبيض يوم الإثنين: “نحقق تقدمًا جيدًا مع الصين، لكنها ليست سهلة”، مضيفًا: “أتلقى تقارير إيجابية فقط”.
وقاد الوفد الأمريكي وزير الخزانة سكوت بيسنت، بمشاركة وزير التجارة هوارد لوتنيك، والممثل التجاري الأمريكي جيميسون غرير. وقد عكَس وجود لوتنيك، الذي شغل سابقًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة كانتور فيتزجيرالد، الأهمية البالغة لضوابط التصدير في هذه المحادثات.
وصرّح بيسنت للصحفيين في لندن بأن الاجتماع كان “جيدًا”، فيما وصف لوتنيك المناقشات بأنها “مثمرة”.
من الجانب الصيني، ترأس الوفد نائب رئيس الوزراء هي ليفينغ، الذي غادر المكان دون الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام. ورافقه وزير التجارة وانغ وينتاو ونائبه لي تشينغقانغ، الذي يشغل منصب الممثل التجاري للصين.
ويُعرف وانغ بأنه من الأعضاء الأساسيين في الوفد المرافق للرئيس شي جين بينغ خلال رحلاته الخارجية منذ تعيينه عام 2020، أما لي فهو مسؤول مخضرم في الشؤون التجارية، وقد شغل سابقًا منصب سفير الصين لدى منظمة التجارة العالمية. وتُعتبر وزارة التجارة الصينية النظير المباشر لكل من وزارة التجارة الأمريكية ومكتب الممثل التجاري الأمريكي.
وقبيل اليوم الثاني من المحادثات، نشرت حسابات تابعة للتلفزيون المركزي الصيني على وسائل التواصل الاجتماعي أن بكين “جادة” في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه “متمسكة بمبادئها”. وأضاف المقال: “الصين أوضحت أن على الولايات المتحدة النظر بواقعية إلى التقدم المحقق، وأن تتراجع عن الإجراءات السلبية ضد الصين”.
وأشارت الولايات المتحدة إلى استعدادها لإلغاء بعض القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا، مقابل تعهدات من بكين بتخفيف القيود على شحنات العناصر الأرضية النادرة، والتي تُعد حيوية لمجموعة واسعة من الصناعات في مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا، بما في ذلك الهواتف الذكية والطائرات المقاتلة وقضبان مفاعلات الطاقة النووية. وتمثل الصين نحو 70% من الإنتاج العالمي لهذه المواد.
وأفاد أشخاص مطلعون على المحادثات أن إدارة ترامب مستعدة لإلغاء مجموعة من القيود التي تم فرضها مؤخرًا على صادرات تشمل برامج تصميم الرقائق الإلكترونية، وقطع غيار محركات الطائرات، ومواد كيميائية، ومواد نووية. وقد تم اتخاذ معظم هذه الإجراءات خلال الأسابيع الماضية مع تصاعد التوترات بين البلدين.
لكن ترامب لم يقدّم التزامًا واضحًا بشأن رفع القيود، وقال للصحفيين ردًا على سؤال بهذا الخصوص: “سنرى”.
وأضاف الرئيس الأمريكي: “الصين ظلت تستغل الولايات المتحدة لسنوات عديدة، لكننا نرغب الآن في فتح السوق الصينية أمامنا”.
من جهته، قال كيفن هاسيت، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، في تصريحات لشبكة CNBC يوم الإثنين، إن الإدارة تتوقع أنه “بعد المصافحة” في لندن، سيتم تخفيف ضوابط التصدير الأمريكية، مقابل أن تُفرج الصين عن كميات كبيرة من العناصر الأرضية النادرة.
وتُعد تصريحات هاسيت من واشنطن أوضح إشارة حتى الآن إلى استعداد الولايات المتحدة لتقديم هذا التنازل، رغم أنه أشار إلى أن ذلك لن يشمل الرقائق الإلكترونية الأكثر تطورًا التي تنتجها شركة Nvidia والمستخدمة في تشغيل خدمات الذكاء الاصطناعي.
وأوضح هاسيت قائلاً: “أنا لا أتحدث عن رقائق Nvidia المتطورة للغاية”، مضيفًا أن القيود لن تُرفع عن رقائق H2O من Nvidia المستخدمة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، “بل عن رقائق أخرى تُعد أيضًا مهمة جدًا بالنسبة لهم”.
وفي السياق نفسه، قلّل رن تشنغفي، مؤسس شركة هواوي تكنولوجيز، من تأثير القيود الأمريكية على قطاع التكنولوجيا في الصين، حيث صرح في مقال نُشر في الصفحة الأولى لصحيفة “الشعب” الرسمية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، بأنه لا يشعر بالقلق من محاولات واشنطن منع تدفق التكنولوجيا الأمريكية إلى قطاع الرقائق في الصين. وأشار إلى أن الشركات المحلية يمكنها استخدام تقنيات مثل تغليف الرقائق أو تكديسها لتحقيق نتائج مشابهة لتلك التي توفرها التكنولوجيا المتقدمة.
وارتفعت الأسهم الآسيوية صباح الثلاثاء بعد أن تبنّت الولايات المتحدة نبرة إيجابية بشأن المفاوضات. أما في السوق الأمريكية، فقد دفعت موجة التفاؤل الأسهم إلى الصعود، واقترب مؤشر S&P 500 من أعلى مستوى له منذ فبراير بنسبة تقل عن 2%.
وتُعد هذه الجولة أول مفاوضات مباشرة منذ اجتماع الوفدين قبل شهر، وتهدف إلى استعادة الثقة بأن الطرفين ملتزمان بالتعهدات التي أُعلنت في جنيف، حيث تم الاتفاق آنذاك على خفض الرسوم الجمركية بشكل مؤقت لمدة 90 يومًا، لإتاحة المجال لمناقشة اختلال الميزان التجاري، الذي تلوم عليه إدارة ترامب السياسات غير العادلة من الجانب الصيني.
ومع ذلك، لم يشهد التبادل التجاري بين البلدين تعافيًا خلال مايو، حيث انخفضت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بأكبر نسبة منذ بداية الجائحة، في حين تراجعت الواردات الصينية من السلع الأمريكية بنحو 20% في الشهر ذاته.
وأضفى الاتصال الهاتفي الذي جرى الأسبوع الماضي بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس شي جين بينغ زخمًا جديدًا على جهود التوصل إلى اتفاق. وكانت التوترات التجارية قد تصاعدت هذا العام مع قيام ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية، مما دفع بكين إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، وأدى ذلك إلى أضرار اقتصادية في كلا البلدين، وزاد من حالة عدم اليقين لدى الشركات التي تسعى للتكيف مع التغيرات المفاجئة في السياسات التجارية.