اتحاد شركات التأمين : مستقبل الذكاء الاصطناعي فى إعادة تشكيل مستقبل الوظائف

احمد دياب
مستقبل الوظائف في ظل تصاعد الذكاء الاصطناعي
يشهد العالم تحولات جذرية وسريعة في مختلف جوانب الحياة، مدفوعة بالتقدم التكنولوجي المتسارع، وعلى رأسها صعود الذكاء الاصطناعي (AI). لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم مستقبلي، بل أصبح واقعًا ملموسًا يعيد تشكيل الصناعات، ويغير طريقة عملنا، ويؤثر بشكل عميق على سوق العمل العالمي. تثير هذه الثورة التكنولوجية العديد من التساؤلات حول مستقبل الوظائف: هل سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى بطالة جماعية؟ أم سيخلق فرصًا جديدة تتطلب مهارات مختلفة؟ وما هي التحديات والفرص التي يفرضها هذا التحول على الأفراد والمؤسسات والحكومات؟
مفهوم الذكاء الاصطناعي وتطوره
الذكاء الاصطناعي (AI) هو فرع من علوم الحاسوب يركز على تطوير أنظمة وبرامج تحاكي القدرات الذهنية للبشر، مثل التعلم، والاستنتاج، والتفكير، ورد الفعل، واتخاذ القرارات، والإدراك، حتى في مواقف لم يتم برمجتها أو تدريبها عليها. يُعرف الذكاء الاصطناعي أيضًا بأنه قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن.
بدأ مفهوم الذكاء الاصطناعي بالظهور في منتصف القرن العشرين، عندما طرح عالم الرياضيات آلان تورينغ سؤالًا شهيرًا: “هل تستطيع الآلة التفكير؟”. تم استخدام مصطلح “الذكاء الاصطناعي” لأول مرة في مؤتمر دارتموث عام 1956. ومنذ ذلك الحين، شهد المجال تطورات كبيرة، خاصة مع التقدم في علم الأعصاب، ونظرية المعلومات الرياضية، وتطور علم التحكم الآلي، واختراع الحاسوب الرقمي. في الستينيات، بدأت الأبحاث في الذكاء الاصطناعي تتلقى تمويلًا سخيًا، وظهرت برامج قادرة على حل مسائل الجبر وإثبات النظريات المنطقية والتحدث باللغة الإنجليزية.
يستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم في مجالات متعددة، منها:
الطب: التشخيص الطبي، تطوير الأدوية، الجراحة الروبوتية.
الصناعة: الروبوتات الصناعية، تحسين سلاسل الإمداد.
التعليم: أنظمة التعلم المخصصة، المساعدات التعليمية الذكية.
الاتصالات: الترجمة الآلية، المساعدات الصوتية، تحليل المشاعر.
البرمجة: تطوير الأكواد، اكتشاف الأخطاء البرمجية.
الأمن السيبراني: كشف التهديدات، تحليل السلوكيات المشبوهة.
السيارات ذاتية القيادة: القيادة الذاتية، أنظمة المساعدة المتقدمة للسائق.
الخدمات المالية: تحليل البيانات المالية، كشف الاحتيال، التداول الآلي.
خدمة العملاء: روبوتات الدردشة، أنظمة الرد الآلي.
بفضل التقدم في تقنيات تعلم الآلة والشبكات العصبية العميقة، أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على أداء مهام كانت في السابق حكرًا على البشر، مما يجعله أحد أبرز تقنيات الثورة الرقمية.
تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل
يُعد تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل موضوعًا معقدًا ومتعدد الأوجه، حيث يثير مخاوف بشأن فقدان الوظائف، ولكنه في الوقت نفسه يخلق فرصًا جديدة ويغير طبيعة الوظائف الحالية.
الوظائف المهددة بالذكاء الاصطناعي
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على ميكنة المهام الروتينية والمتكررة، مما يهدد عددًا من الوظائف. من أبرز الوظائف المهددة بالانقراض أو التي ستشهد تراجعًا كبيرًا بسبب الذكاء الاصطناعي ما يلي:
•وظائف التصنيع: الروبوتات الصناعية والأنظمة الآلية قادرة على أداء مهام التصنيع بكفاءة أعلى.
•وظائف إدخال البيانات: المهام التي تتطلب إدخال البيانات ومعالجتها بشكل متكرر.
•خدمة العملاء الروتينية: روبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين يمكنهم التعامل مع الاستفسارات المتكررة.
•وظائف المحاسبة والإدارة: المهام الروتينية في المحاسبة والإدارة يمكن ميكنتها.
•وظائف النقل: مثل سائقي الشاحنات والمركبات، مع تطور السيارات ذاتية القيادة.
•المدققون اللغويون والعاملون في المونتاج: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بمهام التدقيق اللغوي والمونتاج بشكل أسرع وأكثر دقة.
•كتابة المحتوى والترجمة: بعض أنواع كتابة المحتوى والترجمة يمكن أن تتم بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
الوظائف الجديدة التي يخلقها الذكاء الاصطناعي
على الرغم من المخاوف من فقدان الوظائف، فإن الذكاء الاصطناعي يخلق أيضًا فرص عمل جديدة في مجالات لم تكن موجودة من قبل. من المتوقع أن يخلق الذكاء الاصطناعي ملايين الوظائف الجديدة بحلول عام 2030.
وتشمل هذه الوظائف:
•متخصصو البيانات والذكاء الاصطناعي: علماء البيانات، مهندسو تعلم الآلة، خبراء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، مطورو الذكاء الاصطناعي.
•خبراء الأمن السيبراني والخصوصية الرقمية: مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، يزداد الطلب على حماية البيانات والشبكات.
•مديرو الاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG): مع تزايد اهتمام الشركات بالمعايير البيئية والاجتماعية.
•متخصصو الرعاية الصحية وعلوم الحياة: تطوير حلول صحية قائمة على الذكاء الاصطناعي.
•مهندسو الروبوتات: تصميم وتطوير الروبوتات للعديد من الصناعات.
•محللو البيانات الضخمة: تحليل كميات هائلة من البيانات لاستخلاص الرؤى.
•مديرو عمليات الذكاء الاصطناعي: الإشراف على تنفيذ وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي في الشركات.
تغير طبيعة الوظائف الحالية
بدلاً من اختفاء الوظائف بالكامل، سيقوم الذكاء الاصطناعي بتغيير طبيعة العديد من الوظائف الحالية. سيتم ميكنة المهام الروتينية، مما يسمح للعاملين بالتركيز على المهام التي تتطلب مهارات بشرية فريدة مثل التفكير النقدي، والإبداع، وحل المشكلات المعقدة، والتفاعل الاجتماعي. هذا التحول يتطلب من القوى العاملة إعادة تأهيل وتطوير مهاراتهم باستمرار للتكيف مع المتطلبات الجديدة لسوق العمل.
المهارات المطلوبة في المستقبل
مع التغيرات التي يحدثها الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، تبرز الحاجة إلى تطوير مهارات جديدة والتكيف مع المتطلبات المتغيرة. يمكن تقسيم المهارات المطلوبة في المستقبل إلى فئتين رئيسيتين:
المهارات التقنية
تعتبر المهارات التقنية أساسية للتعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها. من أهم هذه المهارات:
البرمجة: وخاصة لغات البرمجة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي مثل Python.
تحليل البيانات الضخمة: القدرة على جمع، تحليل، وتفسير كميات هائلة من البيانات لاستخلاص الرؤى.
تعلم الآلة (Machine Learning) والتعلم العميق (Deep Learning): فهم كيفية بناء وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI): القدرة على استخدام وتطوير النماذج التي تولد محتوى جديدًا (نصوص، صور، أكواد).
الأمن السيبراني: حماية الأنظمة والبيانات من التهديدات السيبرانية المتزايدة.
الروبوتات والميكنة: فهم كيفية تصميم وتشغيل وصيانة الأنظمة الروبوتية.
المهارات الشخصية
على الرغم من أهمية المهارات التقنية، فإن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه محاكاة جميع القدرات البشرية. لذا، تزداد أهمية المهارات الشخصية التي تميز الإنسان.و من أبرز هذه المهارات:
التفكير النقدي وحل المشكلات المعقدة: القدرة على تحليل المواقف المعقدة واتخاذ قرارات مستنيرة.
الإبداع والابتكار: توليد أفكار جديدة وحلول مبتكرة للمشكلات.
التعلم المستمر والقدرة على التكيف: الاستعداد لاكتساب مهارات جديدة والتكيف مع التغيرات السريعة في سوق العمل.
الذكاء العاطفي : القدرة على التعاطف وبناء علاقات إيجابية مع الآخرين.
التواصل والتعاون: القدرة على العمل بفعالية و التواصل ضمن فرق عمل متنوعة .
القيادة: القدرة على توجيه الفرق وتحفيزها في بيئة عمل متغيرة.
أهمية إعادة التأهيل والتدريب المستمر
للتكيف مع مستقبل الوظائف، يصبح إعادة التأهيل (Reskilling) والتدريب المستمر (Upskilling) أمرًا حتميًا. لذا يجب على الأفراد والمؤسسات والحكومات الاستثمار في برامج التدريب التي تساعد العاملين على اكتساب المهارات الجديدة المطلوبة، وتحويل مساراتهم المهنية إذا لزم الأمر. و يضمن هذا أن تظل القوى العاملة ذات قدرة على التنافسية في عصر الذكاء الاصطناعي.
التحديات والفرص
يفرض الذكاء الاصطناعي مجموعة من التحديات والفرص على سوق العمل، تتطلب استجابات استراتيجية من الأفراد والمؤسسات والحكومات.
التحديات
•البطالة التكنولوجية: وهي فقدان الوظائف بسبب التغير التقني، حيث تحل الميكنة والذكاء الاصطناعي محل المهام البشرية. على الرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى أن هذه البطالة قد تكون مؤقتة وتؤدي إلى زيادة الطلب على القوى العاملة على المدى الطويل، إلا أنها تثير مخاوف بشأن التحولات في سوق العمل.
•الفجوة في المهارات: مع ظهور وظائف جديدة وتغير طبيعة الوظائف الحالية، تنشأ فجوة بين المهارات التي يمتلكها العمال والمهارات المطلوبة في سوق العمل. يتطلب ذلك استثمارات كبيرة في برامج إعادة التأهيل والتدريب المستمر.
•العدالة الاجتماعية والمساواة: هناك مخاوف بشأن التحيز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على التوظيف والترقيات.
•الأمن السيبراني وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي: مع تزايد الاعتماد على الأنظمة الذكية، تزداد مخاطر الهجمات السيبرانية. كما تثير قضايا أخلاقية تتعلق بالخصوصية، والمسؤولية، والتحكم في الأنظمة الذكية.
الفرص
•زيادة الإنتاجية والكفاءة: يعزز الذكاء الاصطناعي الإنتاجية البشرية من خلال ميكنة المهام الروتينية، مما يسمح للعمال بالتركيز على المهام ذات القيمة المضافة العالية. هذا يؤدي إلى زيادة الكفاءة في مختلف القطاعات.
•ابتكار فرص عمل جديدة: على الرغم من فقدان بعض الوظائف، يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى ابتكار وظائف جديدة تمامًا في مجالات مثل تطوير الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والأمن السيبراني، وإدارة الأنظمة الذكية.
•تحسين جودة الحياة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تحسين جودة الحياة من خلال تطوير حلول مبتكرة في مجالات مثل الرعاية الصحية، والنقل، والتعليم، مما يوفر خدمات أفضل وأكثر كفاءة.
•الابتكار والنمو الاقتصادي: يدفع الذكاء الاصطناعي عجلة الابتكار في مختلف الصناعات، مما يؤدي إلى تطوير منتجات وخدمات جديدة، ويساهم في النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
إحصائيات وتوقعات حول مستقبل الوظائف في ظل الذكاء الاصطناعي
تتعدد الدراسات والتقارير التي تتناول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، وتقدم إحصائيات و توقعات متباينة تعكس تعقيد الظاهرة وتعدد العوامل المؤثرة. ومع ذلك، تتفق معظم هذه التقارير على أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تحولاً كبيراً في طبيعة الوظائف والمهارات المطلوبة.
تقارير عالمية وتوقعات رئيسية
صندوق النقد الدولي (IMF)
يشير تحليل صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 40% من الوظائف على مستوى العالم
في دول الاقتصادات المتقدمة من المرجح أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على نسبة أكبر من الوظائف تصل إلى حوالي 60% في نصف هذه الحالات، يمكن للعمال الاستفادة من تكامل الذكاء الاصطناعي لتعزيز إنتاجيتهم. أما في الحالات الأخرى، فقد يؤدي إلى انخفاض الطلب على العمالة، مما يؤثر على الأجور، وقد يصل إلى إلغاء الوظائف.
في المقابل، يتوقع الصندوق أن تؤثر هذه التكنولوجيا على 26% فقط من الوظائف في الدول منخفضة الدخل ، ويرجع ذلك إلى نقص البنية التحتية والقوى العاملة الماهرة اللازمة للاستفادة الكاملة من فوائد الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من خطر تفاقم عدم المساواة بين الدول.
:World Economic Forum(المنتدى الاقتصادي العالمي .
وفقاً لتقرير مستقبل الوظائف 2025 الذي أصدره المنتدى من المتوقع أن يؤدي التحول الهيكلي لسوق العمل بسبب الذكاء الاصطناعي إلى خلق وظائف جديدة تعادل 14% من إجمالي العمالة الحالية. أي 170 مليون وظيفة .
ومع ذلك من المتوقع أن يقابل هذا النمو إزاحة ما يعادل 8%من إجمالي العمالة الحالية أو 92 مليون وظيفة ، مما يؤدي إلى نمو صافي بنسبة 7% من إجمالي العمالة، أو 78 مليون وظيفة .
كما أشار التقرير إلى أن نصف أصحاب العمل في العالم يخططون لإعادة توجيه أعمالهم طلباً للفرص الجديدة التي تأتي بها التكنولوجيا. ويتوقع أن يكون تحسين مهارات العمال هو أكثر استجابات سوق العمل شيوعاً، إذ يخطط 77% من أصحاب العمل للقيام بذلك غير أن 41% منهم يخططون لتقليص حجم قوتهم العاملة مع ميكنة بعض المهام بالذكاء الاصطناعي، ويتوقع أكثر من نصف أصحاب العمل نقل موظفيهم من الوظائف المتأثرة بالذكاء الاصطناعي إلى أقسام أخرى من أعمالهم، للتخفيف من حالات نقص المهارات و في الوقت نفسه تقليص الكلفة البشرية للتحول التكنولوجي.
Goldman Sachs جولدمان ساکس
توقع تقرير صادر عن مجموعة جولدمان ساكس المالية أن يحل الذكاء الاصطناعي محل ما يقدر بـ 300 مليون وظيفة بدوام كامل، لكنه توقع أيضاً أن تظهر وظائف جديدة تزامناً مع تحسن كبير في الإنتاجية .
McKinsey ماكينزي
تشير دراسات ماكينزي إلى أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تغييرات كبيرة في سوق العمل، مع التركيز على ضرورة تطوير المهارات المواكبة هذه التغيرات .
مايكروسوفت Microsoft:
أجرت “مايكروسوفت” دراسة على قياس مرونة الوظائف من خلال ثلاث فئات: الأولى هي الوظائف التي يستخدم فيها حاليا الذكاء الاصطناعي، والثانية تحديد ما إذا كان استخدام الذكاء الاصطناعي ناجحا في تلك الوظائف، أما الفئة الثالثة فتحدد كمية العمل الإجمالي الذي يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها في تلك المهنة.
وخلصت الدراسة إلى أن الوظائف التي تتعامل مع اللغة المكتوبة أو الشفوية، بالإضافة إلى وظائف خدمة العملاء تتصدر قائمة الوظائف الأكثر عرضة للاستبدال، والأكثر عرضة للخطر . أما الأدوار المتعلقة بالأعمال الجسدية المتخصصة ومشغلي المعدات فهي من بين الأقل عرضة للاستبدال.
تأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة التأمين
لقد أحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في صناعة التأمين، حيث لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من العمليات الأساسية. هذا التحول يشمل جوانب متعددة من سلسلة القيمة التأمينية، من الاكتتاب وتقييم المخاطر إلى معالجة المطالبات وخدمة العملاء.
تعزيز الكفاءة والدقة في العمليات
يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تحسين كفاءة ودقة العمليات التأمينية، ففي مجال تقييم المخاطر والاكتتاب تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك البيانات التاريخية، وأنماط السلوك، وحتى البيانات المستقاة من أجهزة الاستشعار (مثل تلك الموجودة في السيارات أو المنازل)، لتقديم تقييمات أكثر دقة للمخاطر. هذا يمكن شركات التأمين من تسعير الوثائق بشكل أكثر عدلاً وتخصيصاً، مما يعود بالنفع على كل من الشركة والعميل
أما في معالجة المطالبات فيمكن للذكاء الاصطناعي ميكنة العديد من المهام الروتينية، مثل التحقق من صحة المطالبات، ومطابقة البيانات، وحتى الكشف عن الاحتيال من خلال تحليل الأنماط المشوهة في المطالبات، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تجديد الأنشطة الاحتيالية المحتملة بسرعة وفعالية، مما يوفر على شركات التأمين خسائر مالية كبيرة. هذا لا يسرع فقط من عملية معالجة المطالبات، بل يزيد أيضاً من دقتها ويقلل من الأخطاء البشرية .
التخصيص وابتكار المنتجات
يمكن الذكاء الاصطناعي شركات التأمين من الانتقال من نماذج التأمين التقليدية إلى تقديم حلول أكثر تخصيصا من خلال تحليل البيانات الفردية للعملاء. ويمكن للذكاء الاصطناعي تطوير منتجات وخدمات تأمينية مصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتهم العديدة .على سبيل المثال :يمكن تقديم وثائق تأمين على السيارات تعتمد على سنوات القيادة العملي أو وثائق تأمين صحي مخصصة بناء على نمط حياة الفرد وحالته الصحية. هذا التخصيص لا يزيد فقط من جاذبية المنتجات بل يعزز أيضاً الولاء لدى العملاء .
إدارة مخاطر الكوارث
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في إدارة وتخفيف المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية وغيرها من الأحداث الكارثية . فيمكن للخوارزميات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل أنماط الطقس والبيانات الجغرافية والبيانات التاريخية للتنبؤ بالتأثير المحتمل للكوارث بدقة أكبر. وهذا يسمح لشركات التأمين بتقديم تغطية أكثر دقة وشمولاً، وتحديد المناطق عالية المخاطر، وتعديل أقساط التغطية وفقاً لذلك. ومع ذلك من المهم الإشارة إلى أن الكوارث الطبيعية غالباً ما تنطوي على عوامل معقدة وغير متوقعة لا يمكن للخوارزميات التقاطها بالكامل، مما يؤكد على أهمية الجمع بين الخبرة البشرية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
تطوير البنية التحتية والقدرات الداخلية
يتطلب تبني الذكاء الاصطناعي من شركات التأمين تطوير بنيتها التحتية التكنولوجية وصقل قدرات العاملين لديها. لذا يجب على الشركات الاستثمار في أنظمة قوية وإدارة البيانات وانشاء مجموعات بيانات جاهزة للتحليل وتنظيم البيانات بشكل فعال عبر الاقسام. كما يتطلب الأمر وجود عاملين ذوي مهارات عالية في التقنية والإبداع والاستعداد للتعلم ومواكبة التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي.
أثر الذكاء الاصطناعي على وظائف التأمين
بينما يقدم الذكاء الاصطناعي فرصاً هائلة لتعزيز الكفاءة والابتكار في صناعة التأمين، فإنه يثير أيضاً تساؤلات جوهرية حول مستقبل القوى العاملة في هذا القطاع. يمكن تقسيم أثر الذكاء الاصطناعي على وظائف التأمين إلى عدة جوانب رئيسية:
ميكنة المهام الروتينية وفتح آفاق جديدة
يتيح الذكاء الاصطناعي ميكنة العديد من المهام المتكررة في قطاع التأمين، مثل معالجة البيانات، وإدخال المعلومات، والتحقق من الوثائق، وأتمتة بعض مراحل معالجة المطالبات البسيطة. كما يمكن لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التعامل مع استفسارات العملاء المتكررة بكفاءة، مما يمنح الموظفين البشريين الفرصة للتركيز على مهام أكثر تعقيدًا وإبداعًا.
وبالإضافة إلى ذلك، تسهم أنظمة الاكتتاب الذكية في تحليل كميات هائلة من البيانات لتقييم المخاطر بسرعة ودقة، مما يساعد المكتتبين على اتخاذ قرارات أكثر استنارة بدلًا من القيام بالأعمال الروتينية. كما أن أدوات الكشف عن الاحتيال المعتمدة على الذكاء الاصطناعي قادرة على تحديد الأنماط المشبوهة بكفاءة، مما يدعم محققي الاحتيال في التركيز على القضايا المعقدة التي تتطلب مهارات تحليلية وإنسانية متقدمة. وبذلك، تسهم هذه التقنيات في تعزيز الإنتاجية وتحسين جودة الخدمات، مع فتح المجال أمام أدوار ووظائف جديدة تدعم الابتكار والنمو.
ظهور وظائف جديدة وتغير الأدوار الحالية
على الرغم من التحديات المتعلقة بفقدان الوظائف، فإن الذكاء الاصطناعي لا يؤدي فقط إلى إزالة الوظائف، بل يخلق أيضاً وظائف جديدة ويغير طبيعة الأدوار الحالية. ستظهر الحاجة إلى متخصصين في المجالات التالية:
علماء البيانات ومهندسو الذكاء الاصطناعي لتطوير وصيانة نماذج الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، واستخلاص الرؤى
خبراء الأخلاقيات والحوكمة للذكاء الاصطناعي لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل عادل ومسؤول ومعالجة قضايا التحيز والتمييز والخصوصية
مصممو تجربة المستخدم (UX) وواجهة المستخدم (UI) لأنظمة الذكاء الاصطناعي لتصميم واجهات سهلة الاستخدام للأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، سواء للعملاء أو للموظفين
مديرو التغيير والتدريب المساعدة الموظفين على التكيف مع التقنيات الجديدة واكتساب المهارات اللازمة للأدوار المتغيرة
بالإضافة إلى ذلك، ستتغير أدوار الموظفين الحاليين. فبدلاً من التركيز على المهام الروتينية، سيتحول تركيزهم إلى المهام التي تتطلب مهارات بشرية فريدة، مثل:
التفكير النقدي وحل المشكلات المعقدة حيث يمكن للبشر التعامل مع الحالات الاستثنائية التي لا تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي التعامل معها.
الإبداع والابتكار لتطوير منتجات وخدمات تأمينية جديدة ومبتكرة لا يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاؤها بمفرده.
التعاطف والتواصل البشري في خدمة العملاء، ستظل هناك حاجة إلى التفاعل البشري في الحالات التي تتطلب تفهماً عاطفياً أو بناء علاقات قوية مع العملاء.
. المهارات الإشرافية والإدارية للإشراف على أنظمة الذكاء الاصطناعي وضمان عملها بفعالية وكفاءة.
الحاجة إلى إعادة صقل المهارات وتطويرها
لمواكبة هذه التغيرات يصبح إعادة صقل المهارات (reskilling) وتطويرها (upskilling) أمراً حتمياً للعاملين في قطاع التأمين يجب على الشركات والموظفين الاستثمار في برامج التدريب التي تركز على المهارات الرقمية، وتحليل البيانات، وفهم الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تعزيز المهارات الناعمة مثل التفكير النقدي، والتعاون، والقدرة على التكيف.
و ستكون الشركات التي تستثمر في تطوير موظفيها أكثر قدرة على الاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي، وتحويل التحديات إلى فرص للنمو والابتكار.
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية:
انطلاقًا من دوره في دعم تطوير سوق التأمين ومواكبة التحولات التكنولوجية العالمية، يرى الاتحاد أن الذكاء الاصطناعي يُعد أداة محورية في إعادة تشكيل مستقبل الوظائف داخل قطاع التأمين، إذ يوفر فرصًا واسعة لتحسين الكفاءة التشغيلية، وتطوير خدمات العملاء، وتعزيز دقة الاكتتاب وتسوية المطالبات.
ورغم التقدم التكنولوجي المتسارع والتحول الرقمي الذي يشهده قطاع التأمين، يظل العنصر البشري ركيزة أساسية لا غنى عنها في هذه الصناعة. فالخبرات البشرية تُمثّل جوهر العمليات التأمينية، سواء في فهم احتياجات العملاء، أو في إدارة المخاطر، أو في اتخاذ قرارات الاكتتاب المعقدة التي تتطلب فهماً دقيقًا للسياقات الاقتصادية والاجتماعية. كما أن التفاعل الإنساني يظل عاملًا حاسمًا في بناء الثقة مع العملاء، وتعزيز الولاء، وتقديم الدعم الفعّال أثناء إدارة المطالبات أو تقديم المشورة التأمينية. ولذلك، فإن الاستثمار في تنمية الكوادر البشرية، وتطوير مهاراتهم، وتمكينهم من مواكبة التحولات الرقمية، يُعد أحد أهم عوامل نجاح واستدامة صناعة التأمين في المستقبل.
لذا يؤكد الاتحاد على أهمية التوازن بين تبني التقنيات الحديثة والحفاظ على العنصر البشري، من خلال الاستثمار في إعادة تأهيل الكوادر البشرية وتأهيلها لوظائف المستقبل، لا سيما تلك المرتبطة بتحليل البيانات، وأمن المعلومات، وإدارة النماذج الذكية.
كما يشدد الاتحاد على ضرورة تبني استراتيجيات واضحة للتحول الرقمي العادل والمسؤول، بما يضمن خلق بيئة عمل مستدامة لا تقصي الموظفين، بل تعزز من قدراتهم وتوفر فرصًا جديدة للنمو المهني داخل القطاع.
وفي هذا الإطار، يواصل الاتحاد جهوده لدعم التدريب وبناء القدرات لضمان جاهزية سوق العمل التأميني لمتطلبات عصر الذكاء الاصطناعي.
لا يمثل الذكاء الاصطناعي تهديداً لوظائف التأمين بقدر ما يمثل دعوة للتطور والابتكار. لذا فإن مستقبل صناعة التأمين يكمن في التعاون الفعال بين القدرات التحليلية للذكاء الاصطناعي والخبرة البشرية المتميزة.