مقالات رأي

الهند والجنوب العالمي

بقلم السفير أشوك ساجانهر

 

مقدمة:

ترتبط الهند بعلاقات قوية مع دول الجنوب العالمي توثقت عُراها عبر تاريخ طويل من النضال المشترك،
والطموحات نحو تحقيق التنمية والاعتماد على الذات. وباعتبارها واحدة من أكبر وأهم دول الجنوب العالمي،
تطور دور الهند من كونها من الدول الرائدة في حركة عدم الانحياز إلى أن أصبحت لاعباً محورياً في حركة
التعاون في شكلها المعاصر بين دول الجنوب.

وقد ارتقى رئيس الوزراء ناريندرا مودي بهذه الشراكة إلى مستوى جديد كلياً عندما نظم القمة الأولى
لـ”صوت الجنوب العالمي” في يومي 12 و13 يناير 2023، وذلك بعد أسبوعين فقط من تولي الهند رئاسة
مجموعة العشرين. وقد تلت تلك القمة الأولى قمة أخرى في وقت لاحق من نفس العام، ثم عُقدت الثالثة في
عام 2024.

تهدف قمة صوت الجنوب العالمي إلى توفير منصة مشتركة لبحث اهتمامات وأولويات الدول النامية، وتبادل الأفكار والحلول، وتوحيد المواقف من أجل صياغة حلول تنموية مشتركة.

خلفية عن الموضوع:

يغطي مفهوم الجنوب العالمي مناطق في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا، ويجمع الدول النامية
ذات الخلفيات التاريخية المشتركة من إرث الاستعمار والتهميش الاقتصادي. ويُعد دور الهند في هذا الإطار
دوراً محورياً، حيث تستفيد من قوتها الاقتصادية المتنامية، ونظامها الديمقراطي، وموقعها الجيوسياسي
الاستراتيجي للدفاع عن حوكمة عالمية أكثر عدالة.

يتضمن التعاون الاقتصادي بين الهند و دول الجنوب العالمي التجارة، والاستثمار، والمساعدات التنموية. وقد
شهدت العلاقات التجارية نمواً كبيراً، خاصة مع الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية. فعلى سبيل المثال،
ارتفع حجم تجارة الهند مع أفريقيا من 5 مليارات دولار في عام 2001 إلى 90 مليار دولار في عام 2020،

مما جعل الهند ثالث أكبر شريك تجاري للقارة. وبالمثل، بلغت تجارة الهند مع أمريكا اللاتينية 50 مليار
دولار في عام 2020، مدفوعة بواردات النفط وصادرات الأدوية والسيارات والمنتجات الهندسية.
ويعد الاستثمار أيضاً عنصراً أساسياً في مشاركة الهند الاقتصادية مع دول الجنوب. فقد ضخت الشركات
الهندية استثمارات كبيرة في قطاعات مثل: الاتصالات، والأدوية، والزراعة، والتعدين في كافة أنحاء دول
الجنوب العالمي. ففي أفريقيا، تجاوزت استثمارات الشركات الهندية 50 مليار دولار، مما أسهم في خلق
فرص عمل وتطوير البنية التحتية. وفي أمريكا اللاتينية، تتزايد الاستثمارات الهندية في مجالات مثل
تكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة، مما يمثل دعماً بارزاً للتنمية المستدامة.

علاوة على ذلك، تؤكد برامج المساعدات التنموية الهندية دورها كشريك مع دول الجنوب العالمي في مسيرة
التقدم. ومن خلال برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي (آيتك)، قدمت الهند دورات للتدريب وبناء
القدرات والمساعدة الفنية لمتدربين من أكثر من 160 دولة، ويغطي هذا البرنامج مجالات متنوعة مثل:
الصحة، والتعليم، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، مما يساهم في تنمية الموارد البشرية في دول الجنوب
العالمي.

وخلال السنوات الأخيرة، بدأت سياسة الهند الخارجية تعطي أولوية متزايدة للجنوب العالمي. ومن الأمثلة
البارزة على ذلك “قمة منتدى الهند-أفريقيا”، و”منتدى التعاون بين الهند ودول جزر المحيط الهادئ” وقمم
الهند مع مجموعة الكاريبي.، حيث توفر هذه المنصات مجالات للحوار، والتعاون من أجل التنمية،
والشراكات الاستثمارية.

وتمثل قيادة الهند للتحالف الدولي للطاقة الشمسية نموذجاً لدورها في تعزيز التنمية المستدامة من خلال
التعاون بين دول الجنوب. فقد أطلقت الهند وفرنسا هذه المبادرة في عام 2015 بهدف تعبئة الموارد وتشجيع
استخدام الطاقة الشمسية في الدول الاستوائية. ومع انضمام 121 دولة، معظمها من الجنوب العالمي، يؤكد
التحالف على التزام الهند بمواجهة تغير المناخ وتعزيز الطاقة المتجددة.

قمة صوت الجنوب العالمي

توفر قمة صوت الجنوب العالمي منصة للاقتصادات الصاعدة ودول الجنوب العالمي للتعبير عن وجهات
نظرها الفريدة، وتحدياتها، وحلولها المبتكرة على الساحة العالمية. وقد تم تدشين القمة بهدف تعزيز صوت

الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، واستثمار تأثيرها في دعوة الاقتصادات المتقدمة لإعادة توجيه
سياساتها تجاه العالم الأقل نمواً.

القِمم الثلاث لصوت الجنوب العالمي

عقدت الهند القمة الأولى في يناير 2023 خلال الأسابيع الأولى من رئاستها لمجموعة العشرين، من خلال
لقاءات افتراضية امتدت لعشر جلسات، ركزت على أولويات واهتمامات العالم النامي. وقد ترأس رئيس
الوزراء مودي الجلسات الافتتاحية والختامية. واستطاعت الهند تضمين المدخلات التي خرجت بها في تلك
الجلسات ضمن مداولات مجموعة العشرين.
وبعد نجاح القمة الأولى، استضافت الهند القمة الثانية في 17 نوفمبر 2023 تحت شعار “معاً من أجل التنمية
للجميع و نيل ثقة الجميع”، وهو امتداد لفلسفة “العالم أجمع أسرة واحدة” وفكر مودي الإداري “سبكا سات،
سبكا فيكاس، سبكا فيشواس” التي تعني “معاً من أجل التنمية للجميع، ونيل ثقة الجميع”. وتمحورت أهداف
القمة حول:

 مشاركة النتائج والتقدم المحرز في أولويات الجنوب العالمي خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين.
 تعزيز صوت الجنوب العالمي وبحث سبل المضي قدماً لتحقيق الأهداف المشتركة.
 الحفاظ على زخم تبادل الأفكار وأفضل الممارسات من أجل نظام عالمي أكثر شمولية وتمثيلاً
وتقدماً.

شارك في كلتا القمتين أكثر من 100 دولة من دول الجنوب العالمي.

أما القمة الثالثة، فجاءت تحت شعار “جنوب عالمي مُمَكَّن من أجل مستقبل مستدام”، حيث توسعت في مناقشة
التحديات العالمية المستمرة مثل النزاعات، وأزمات الأمن الغذائي والطاقة، وتغير المناخ، وأعباء الديون،
والتي تؤثر جميعها بشكل غير متناسب على الدول النامية. وقد شارك فيها 173 شخصية من 123 دولة، من
بينهم 21 رئيس دولة أو حكومة، و34 وزير خارجية، و118 وزيراً ونائب وزير. وكان ذلك دليلاً على
التزام الهند الجاد بقيادة المسار التنموي المشترك للجنوب العالمي.

وخلال القمة، طرح مودي مقترح “الميثاق العالمي للتنمية” المكون من أربعة عناصر:

 التجارة من أجل التنمية.
 بناء القدرات من أجل النمو المستدام.
 تبادل التكنولوجيا.
 تمويل ومنح ميسرة لمشروعات محددة.

ومع مشاركة دول تمثل أكثر من 60% من سكان العالم، أكدت القمة على مركزية الجنوب العالمي في السعي
الجماعي نحو مستقبل شامل للجميع. ومن الإنجازات البارزة لهذا التعاون، انضمام الاتحاد الأفريقي كعضو
كامل في مجموعة العشرين في اليوم الأول من رئاسة الهند للمجموعة في 9 سبتمبر 2023.

خاتمة

تطورت الديناميكيات الجيوسياسية للهند مع الجنوب العالمي بشكل ملحوظ على مر السنين، بما يعكس قوتها
الاقتصادية المتنامية، ومصالحها الإستراتيجية، وطموحاتها لتكون لاعباً رئيسياً على الساحة العالمية. ويؤكد
انخراطها النشط مع الجنوب العالمي التزامها بعالم متعدد الأقطاب حيث يكون للدول النامية صوت مؤثر في
الشؤون الدولية.

ومع مواجهة العالم لتحديات معقدة مثل تغير المناخ، وعدم المساواة الاقتصادية، والتحولات الجيوسياسية،
يزداد دور الهند كشريك للجنوب العالمي أهمية يوماً بعد يوم. وباعتبارها قائداً وشريكاً، تواصل الهند لعب
دور حاسم في صياغة مستقبل الجنوب العالمي، من خلال التعاون المستمر، والاحترام المتبادل، والطموحات
المشتركة، مما يمكن الجانبين من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين واغتنام فرصه.