أخبار

الرئيس الصيني يطرح مبادرة “الحوكمة العالمية” من منصة شانغهاي : دعوة إلى نظام دولي عادل يوازن بين القوى الكبرى والجنوب العالمي

 

احمد دياب 

في خطوة تحمل دلالات استراتيجية على المشهد الدولي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، اليوم الإثنين 1 سبتمبر 2025، خلال اجتماع “منظمة شانغهاي للتعاون بلس” في مدينة تيانجين، عن مقترح بلاده لإطلاق مبادرة الحوكمة العالمية، مؤكداً أن العالم بحاجة إلى نظام أكثر عدلاً وإنصافاً لمواجهة التحديات المتصاعدة، من تغير المناخ والذكاء الاصطناعي إلى الهجرة والنزاعات الأمنية.

الحوكمة العالمية: استجابة لتحديات عابرة للحدود

شدد شي في كلمته على أن تحسين منظومة الحوكمة العالمية لم يعد خياراً بل ضرورة تفرضها طبيعة التحديات الحالية. وقال: “لا توجد دولة في الواقع جزيرة في هذا العصر، ولا تستطيع أي حكومة التعامل مع القضايا العابرة للحدود بمفردها”.

وعدد الرئيس الصيني أبرز الملفات التي تعاني من قصور في إدارتها الدولية، مثل الحد من الأسلحة، الهجرة، وأزمات المناخ، إلى جانب قضايا ناشئة كإدارة الذكاء الاصطناعي والفجوة الرقمية، مشيراً إلى أن هذه التحديات “تختبر قدرة البشرية على تجاوز خلافاتها والبحث عن حلول جماعية”.

مواجهة الهيمنة وتعزيز العدالة الدولية

أكد شي أن تحسين الحوكمة العالمية يمثل شرطاً أساسياً لصون العدالة الدولية وسيادة القانون، منتقداً هيمنة القوى الغربية على آليات صنع القرار الدولي. وأوضح أن مبدأ “القوة هي الحق” أو “قانون الغاب” لا يؤدي إلا إلى زعزعة الاستقرار العالمي، مضيفاً: “إقامة نظام حكم عالمي عادل يتطلب رفض الهيمنة والعمل على وضع قواعد تضمن العدالة للجميع”.

إصلاح المؤسسات الدولية وتمثيل الجنوب العالمي

أشار الرئيس الصيني إلى أن مؤسسات الحوكمة القائمة، مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بحاجة إلى إصلاحات عاجلة لمواءمة متطلباتها مع احتياجات الدول النامية. وأكد أن الجنوب العالمي، الذي يضم الأغلبية من سكان العالم، يجب أن يحصل على تمثيل أكبر في هذه المنصات، سواء في حصص التصويت أو في مراكز اتخاذ القرار.

الصين كفاعل رئيسي في الحوكمة العالمية

قدّم شي مبادرة بلاده بالاستناد إلى خبرة طويلة في الانخراط في الشؤون الدولية. فعلى الصعيد الأمني، لفت إلى أن الصين تعد ثاني أكبر مساهم مالي في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وتساهم بأعداد من قوات حفظ السلام تفوق ما تقدمه أي دولة أخرى من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. كما لعبت دور الوسيط في ملفات بارزة، مثل المصالحة التاريخية بين إيران والسعودية، وصياغة تفاهمات مشتركة مع البرازيل بشأن الأزمة الأوكرانية.

أما في الجانب الاقتصادي، فقد أسست الصين منصات مالية متعددة الأطراف مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) وبنك التنمية الجديد (NDB)، ودعمت الجنوب العالمي في مواجهة تحديات المناخ والتكنولوجيا الحديثة، من خلال أطر مثل مجموعة بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون.

رسالة الصين: السلام لا المواجهة

في ختام خطابه، شدد شي جين بينغ على أن مبادرة الحوكمة العالمية الصينية تستهدف “إحلال السلام والتعايش المشترك”، معتبراً أنها تمثل بديلاً عن الحروب والصراعات التي تدمر السلم والأمن الدوليين. وقال إن “الإنسانية بحاجة إلى نظام عالمي جديد يعكس مصالح جميع الشعوب، لا أن يبقى أسير توازنات القوة التقليدية”.

قراءة في الأبعاد السياسية

يأتي هذا الطرح في وقت يتزايد فيه التنافس بين القوى الكبرى، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، حول قيادة النظام الدولي. ويرى محللون أن بكين تسعى عبر هذه المبادرة إلى إعادة صياغة قواعد اللعبة الدولية بما يحد من الهيمنة الغربية ويمنح الجنوب العالمي وزناً أكبر. كما تعكس الخطوة رغبة الصين في الظهور كقوة مسؤولة تقدم حلولاً جماعية في قضايا الأمن والتنمية، في مواجهة اتهامات غربية بأنها قوة صاعدة تسعى إلى إعادة تشكيل النظام العالمي لصالحها.