التقدّم معًا: التعاون الإفريقي الصيني يرسم مسارًا جديدًا للتنمية

بقلم نور يانغ إعلامى صينى
بعد ما يقرب من 70 عامًا من الجهود المتواصلة، تشهد العلاقات الإفريقية الصينية أفضل مراحلها على الإطلاق. فقد انعقدت بنجاح قمة منتدى التعاون الإفريقي الصيني في بكين في سبتمبر 2024، حيث طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ “عشر مبادرات للشراكة”، والتي وضعت مسار التعاون بين الجانبين وفتحت آفاقًا جديدة لبناء مجتمع صيني-إفريقي ذي مستقبل مشترك وشراكة شاملة ومستدامة. ومنذ عام 2025، يواصل التعاون الإفريقي الصيني تعميقه، مع توسّع مستمر في حجم التبادلات الاقتصادية والتجارية، وتحقيق إنجازات ملموسة ساهمت في التحوّل الصناعي، وخلق فرص العمل، وتعزيز التقدّم الاجتماعي في القارة الإفريقية. وباعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر شريك تجاري لإفريقيا، تواصل الصين تعزيز التعاون العملي مع الدول الإفريقية، مما يضخ زخمًا جديدًا في نمو الاقتصاد العالمي.
وشهدت التبادلات الاقتصادية والتجارية بين إفريقيا والصين تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، بفضل مبادرة “الحزام والطريق” وآلية منتدى التعاون الإفريقي الصيني. ففي عام 2024، تجاوز حجم التجارة الثنائية لأول مرة حاجز تريليوني يوان صيني (نحو 280.8 مليار دولار أمريكي). وفي النصف الأول من عام 2025، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الجانبين 166 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 14.4% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، محتفظة الصين بمكانتها كأكبر شريك تجاري لإفريقيا للعام السادس عشر على التوالي.
كما يواصل هيكل التجارة التحسّن، حيث بلغت صادرات الصين إلى إفريقيا من المنتجات الميكانيكية والكهربائية 47 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، بزيادة قدرها 28.7%، لتشكّل أكثر من 55.9% من إجمالي الصادرات الصينية إلى القارة. وسجّلت صادرات السيارات الكهربائية، والبطاريات الليثيوم-أيون، ومكونات الطاقة الشمسية نموًا سريعًا، مما ساهم في دعم التحوّل في قطاع الطاقة الإفريقي. وفي الوقت نفسه، تتوسع الواردات الزراعية الصينية من إفريقيا، مع دخول منتجات متخصصة مثل حبوب البن والكاكاو إلى السوق الصينية، بما يعزز تحديث الزراعة الأفريقية ويحفّز التنمية المستدامة.
كما يواصل التعاون الاستثماري بين الصين وإفريقيا التحسّن من حيث الجودة والعمق، فقد بلغ متوسط حجم الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في إفريقيا أكثر من 3 مليارات دولار سنويًا خلال السنوات الخمس الماضية. ومنذ انعقاد قمة بكين عام 2024 وحتى نهاية مارس 2025، بلغت الاستثمارات الجديدة للشركات الصينية في القارة 1.87 مليار دولار، شملت مجالات البنية التحتية والصناعة والزراعة والاقتصاد الرقمي، دعماً لتنويع اقتصادات الدول الإفريقية. ووفقًا لبيانات وزارة التجارة الصينية، وصل إجمالي قيمة الإنتاج في مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري الصينية في إفريقيا حتى نهاية عام 2024 إلى 49.96 مليار دولار، فيما بلغت الضرائب المدفوعة 3.04 مليار دولار، وتم توفير 73 ألف فرصة عمل مباشرة، مما أسهم في ترقية الصناعات المحلية وتعزيز النمو الاقتصادي.
وتبرز نتائج “عشر مبادرات للشراكة” بشكل واضح في مجالي التنمية الخضراء والاقتصاد الرقمي. فقد أنشأت المؤسسات المالية الصينية صناديق لدعم مشاريع الطاقة المتجددة في إفريقيا، بما في ذلك الطاقة الريحية والطاقة الشمسية، لتخفيف أزمة نقص الطاقة. كما تعمّقت الشراكة في التجارة الإلكترونية عبر الحدود، حيث ساعدت منصة “التجارة الإلكترونية لطريق الحرير” المنتجات الإفريقية عالية الجودة على الوصول مباشرة إلى المستهلكين الصينيين. وتعمل الشركات الصينية أيضًا على تسريع بناء مراكز بيانات ضخمة وأنظمة لوجستية متطورة، بما يساهم في التحوّل الرقمي للقارة ويفتح مجالات جديدة للنمو الاقتصادي.
وتشير دراسات صندوق النقد الدولي إلى أن التجارة بين إفريقيا والصين تسهم بما بين 1 و2 نقطة مئوية سنويًا في نمو الاقتصاد الإفريقي. كما رفعت الاستثمارات الصينية نسبة المعالجة المحلية للموارد الإفريقية من 15% إلى 45%، ما عزّز تنافسية الدول الإفريقية في سلاسل الإمداد العالمية. وفي ظل تصاعد النزعات الحمائية وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، أصبح التعاون الإفريقي الصيني ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد العالمي.
ويشكّل النمو المستدام للاقتصاد الصيني دعمًا قويًا لهذا التعاون، حيث بلغ متوسط النمو السنوي للاقتصاد الصيني 8.9% خلال الفترة من عام 1979 حتى عام 2023، فيما بلغت مساهمته السنوية في نمو الاقتصاد العالمي 24.8%، محتلة المرتبة الأولى عالميًا. وفي النصف الأول من عام 2025، نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 5.3% على أساس سنوي، ما يعكس مرونة قوية وإمكانات طلب داخلي هائلة. وبوصفها ثاني أكبر سوق استهلاكية في العالم وصاحبة أكبر طبقة متوسطة الدخل عالميًا، توفر الصين فرصًا واسعة للدول الإفريقية، كما يعزز تطبيق سياسة الإعفاء الجمركي الكامل على جميع المنتجات القادمة من الدول الإفريقية الـ53 التي تربطها علاقات دبلوماسية مع الصين اندماج إفريقيا في السوق العالمية ويتيح لها الاستفادة من مكاسب العولمة.
وفي ظل ضعف تعافي الاقتصاد العالمي، وتكرار النزاعات الجيوسياسية، وتزايد تقلبات الأسواق المالية، يزداد بروز أهمية التعاون الإفريقي الصيني. إذ يتوسع نطاق التعاون من الموارد الطبيعية التقليدية إلى الابتكار التكنولوجي والتحوّل الأخضر والاقتصاد الرقمي، عبر إنشاء مختبرات مشتركة، والتعاون البحثي، وتدريب الكوادر، بما يدفع إفريقيا نحو تحقيق التنمية عالية الجودة. كما يسهم التعاون في مجالات التمويل والدفع عبر الحدود والعملات الرقمية في توفير قنوات أكثر كفاءة لتدفق رؤوس الأموال وتهيئة بيئة أعمال جاذبة.
وتؤكد مسيرة التعاون الإفريقي الصيني أن الشراكة يجب أن تقوم على مبدأ المساواة والمنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة. وتفي الصين بتعهداتها من خلال تقديم الموارد والفرص السوقية لإفريقيا والعمل على بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدالة وشمولية. وفي المستقبل، ستواصل إفريقيا والصين المضي قدمًا مع استمرار تعميق التعاون، ليس فقط لتعزيز التنمية في القارة الإفريقية، بل أيضًا لإضفاء المزيد من اليقين والأمل على الاقتصاد العالمي.