تقارير

السفير لياو لي تشيانج: العلاقات المصرية الصينية في أزهى عصورها.. شراكة استراتيجية تعبر إلى المستقبل

احمد دياب 

 

 

في الذكرى الـ76 لتأسيس الجمهورية الصينية

شهدت القاهرة احتفالية كبرى نظمتها سفارة جمهورية الصين الشعبية بمناسبة مرور 76 عامًا على تأسيس الجمهورية، في مشهد جمع بين الأبعاد التاريخية والسياسية والدبلوماسية، ورسّخ صورة العلاقات المصرية الصينية كأحد النماذج الأكثر قوة في العالم المعاصر.

حضور رفيع المستوى يبرز متانة العلاقات

شارك في الاحتفالية المهندس عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ممثلًا عن الحكومة المصرية، والدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق، إلى جانب حشد من السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي والإعلاميين والشخصيات العامة. هذا الحضور الرسمي والدبلوماسي الواسع لم يكن مجرد مشاركة بروتوكولية، بل عكس المكانة التي باتت تحظى بها الصين لدى مصر وشركائها الدوليين، فضلًا عن كون القاهرة منصة محورية للانفتاح الصيني على العالم العربي والإفريقي.

الصين.. 76 عامًا من البناء والتحديث

في كلمته، استعرض السفير لياو لي تشيانج المسيرة التاريخية التي خاضتها الصين منذ عام 1949، مؤكدًا أن نجاح الحزب الشيوعي الصيني في قيادة الشعب بمختلف قومياته مثّل نقطة تحول كبرى. فقد تمكنت الصين من إيجاد طريق تحديث مستقل يتماشى مع خصوصيتها الحضارية، وهو ما أتاح لها الانتقال من دولة نامية تعاني الفقر والتحديات إلى قوة عظمى ذات ثقل عالمي.

طفرة اقتصادية هائلة

أوضح السفير أن الصين تقترب من اختتام خطتها الخمسية الرابعة عشرة، التي شهدت قفزات غير مسبوقة، حيث تجاوز الناتج المحلي الإجمالي 35 تريليون يوان، وبقيت مساهمة الصين في النمو الاقتصادي العالمي فوق 30% لسنوات متواصلة، ما جعلها محركًا رئيسيًا للاقتصاد الدولي.

ريادة علمية وتكنولوجية

وأضاف أن بكين باتت تتصدر قائمة الابتكار عالميًا بوجود 26 تجمعًا علميًا ضمن أقوى 100 مركز ابتكار في العالم، إلى جانب إنجازات كبرى في الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الكمومية، والفضاء المأهول، واستكشاف الفضاء العميق. هذه الطفرة التكنولوجية جعلت الصين لاعبًا أساسيًا في رسم ملامح الثورة الصناعية الرابعة.

إنجازات في الطاقة والتنمية البشرية

أشار السفير إلى أن عدد السيارات العاملة بالطاقة الجديدة تجاوز 31 مليون سيارة، فيما تتربع الصين على عرش إنتاج الطاقة النظيفة عالميًا. وعلى المستوى الاجتماعي، أحرزت الصين تقدمًا في بناء أكبر منظومة للتعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، مما أدى إلى ارتفاع مستويات معيشة المواطنين وتحقيق نمو متوازن بين الاقتصاد والمجتمع.

الصين لاعب دولي مسؤول

لم يقتصر خطاب السفير على استعراض النجاحات الداخلية، بل تطرق إلى دور الصين كقوة دولية مسؤولة. وأكد أن بكين تبقى قوة داعمة للسلام والاستقرار العالميين، مستشهدًا بمبادرة “الحوكمة العالمية” التي طرحها الرئيس شي جينبينغ مؤخرًا خلال قمة منظمة شانغهاي للتعاون.

مبادرة الحوكمة العالمية

أوضح لياو أن المبادرة تستهدف معالجة أوجه القصور في النظام الدولي، وترتكز على مبادئ جوهرية أهمها: مساواة الدول في السيادة، احترام القانون الدولي، التمسك بتعددية الأطراف، وضع الشعوب في قلب الأولويات، والتركيز على النتائج العملية. وقد لاقت المبادرة تأييدًا واسعًا، لتضاف إلى مبادرات سابقة مثل “مبادرة التنمية العالمية” و”مبادرة الأمن العالمي” و”مبادرة الحضارة العالمية”، وكلها تعكس الرؤية الصينية لبناء عالم أكثر عدالة وتوازنًا.

 

العلاقات المصرية الصينية.. من الماضي إلى الحاضر

أكد السفير أن العلاقات بين مصر والصين تمر اليوم بأفضل مراحلها على الإطلاق في ظل القيادة الاستراتيجية للرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس شي جينبينغ.

جذور تاريخية عميقة

ترجع العلاقات بين القاهرة وبكين إلى عام 1956 حينما كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية، وهو ما جعلها تحظى بمكانة خاصة في الوجدان السياسي الصيني. ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقات بشكل مستمر، لتنتقل من التعاون الدبلوماسي إلى شراكة استراتيجية شاملة تشمل الاقتصاد والسياسة والثقافة والدفاع.

تنسيق استراتيجي وزيارات متبادلة

أشار السفير إلى اللقاءات الثنائية بين الرئيسين السيسي وشي جينبينغ، والتي انعقدت مرتين العام الماضي وأسفرت عن توافقات مهمة حول مستقبل العلاقات. كما شهدت الأشهر الأخيرة زيارات متبادلة بين رئيسي مجلس الوزراء في البلدين، عكست الطابع الاستراتيجي للشراكة الثنائية.

اقتصاد واستثمار وتجاره متنامية

وأوضح السفير أن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية تتكامل بعمق مع “رؤية مصر 2030″، وأن الصين تعد أكبر شريك تجاري لمصر منذ 13 عامًا متتالية، فضلًا عن كونها من أنشط المستثمرين في قطاع التصنيع. كما شهد العام الجاري توسعًا في التعاون المالي، وإطلاق أول تدريب جوي مشترك بعنوان “نسور الحضارة 2025″، إضافة إلى مشروعات تعاون في مجال التنقيب الأثري تحت المياه.

البعد العربي في الرؤية الصينية

لم يغفل السفير التأكيد على أن العلاقات الصينية العربية تمر هي الأخرى بأفضل مراحلها التاريخية. فقد أشار إلى أن التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين الجانبين يشهد تطورًا متسارعًا، وأن الصين تدعم جهود جامعة الدول العربية التي احتفلت مؤخرًا بمرور 80 عامًا على تأسيسها، باعتبارها ركيزة أساسية للوحدة والتضامن العربيين.

دعم القضية الفلسطينية

فيما يخص القضية الفلسطينية، شدد السفير على أن الصراع المستمر بين فلسطين وإسرائيل يتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي. وحدد ثلاثة مبادئ أساسية:

1. وقف إطلاق النار الشامل في غزة بأقصى سرعة.

2. تنفيذ مبدأ “حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين” على أرض الواقع.

3. التمسك بحل الدولتين كخيار استراتيجي لا بديل عنه.

وأثنى على الدور المصري في الوساطة وتقديم المساعدات الإنسانية، مؤكدًا أن الصين تقف بثبات إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتدعم الجهود الرامية للتوصل إلى حل عادل ودائم على أساس قرارات الأمم المتحدة.

آفاق مستقبلية واعدة

اختتم السفير لياو لي تشيانج كلمته بالإشارة إلى أن العام المقبل سيشهد محطة تاريخية مهمة تتمثل في الاحتفال بالذكرى الـ70 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، وكذلك بين بكين والدول العربية والإفريقية، إلى جانب استضافة الصين للدورة الثانية من القمة الصينية العربية.

وأكد استعداد الصين لمواصلة العمل المشترك مع مصر في كافة المجالات، وتعزيز الشراكة ضمن إطار الجنوب العالمي، بما يضمن دفع عملية التحديث والتنمية في البلدين والمنطقة بأسرها.

خاتمة.. رسائل من القاهرة إلى العالم

لم يكن الاحتفال مجرد مناسبة بروتوكولية، بل كان منصة لإطلاق رسائل سياسية ودبلوماسية واقتصادية مهمة. فقد حرصت الصين على إبراز إنجازاتها الداخلية، وفي الوقت نفسه أكدت التزامها بالسلام والتنمية الدولية. أما على صعيد العلاقات الثنائية، فقد جاء خطاب السفير ليعكس بوضوح أن القاهرة وبكين ماضيتان نحو بناء مجتمع مشترك للمستقبل قائم على التعاون والكسب المتبادل، وأن هذه العلاقة أصبحت نموذجًا عالميًا يحتذى به بين دول الجنوب