حين يغلق التاريخ دائرته: القذافي يطارد ساركوزي من وراء القبر

بقلم: ناصر عبدالحفيظ
في مثل هذا اليوم، سقط العقيد معمر القذافي، الرجل الذي حكم ليبيا بقبضة من حديد لأكثر من أربعة عقود.
وفي اليوم نفسه، بعد سنوات، وجد نيكولا ساركوزي نفسه خلف القضبان.
قد يراها البعض مصادفة عابرة، لكنها في ميزان التاريخ ليست كذلك.
القذافي لم يكن مجرد حاكمٍ مثيرٍ للجدل، بل كان مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا متكاملًا — سواء اتفقنا معه أو اختلفنا حوله.
ففي عهده كانت ليبيا تمتلك واحدًا من أقوى الاقتصادات في القارة الأفريقية،
وكان الدينار الليبي من أعلى العملات قيمة، وجواز السفر الليبي من أرفع الوثائق احترامًا في المنطقة.
كان التعليم مجانيًا، والرعاية الصحية متاحة، والمواطن يشعر أن خيرات النفط تصب – بدرجات متفاوتة – في مصلحة بلاده.
لكن بعد رحيله، لم تتوحد ليبيا حتى كتابة هذه السطور.
تحولت البلاد إلى ساحات نفوذ، وتنازعت عليها الأجندات الإقليمية والدولية.
ضاعت الهوية الجامعة بين بنغازي وطرابلس ومصراتة وسرت، وتفرّق الإخوة الذين جمعهم النفط والدم والمصير.
وفي وسط هذه الأجواء، عاد اسم ساركوزي ليطفو على السطح.
الرجل الذي صادق القذافي حين احتاج أمواله، ثم انقلب عليه حين تغيّرت الموازين، أصبح اليوم متهمًا بتلقي تمويلات غير مشروعة من الزعيم ذاته الذي ساهم في إسقاطه.
هي مفارقة تثير التأمل، وتكشف أن يد التاريخ وإن بدت بطيئة، فإنها لا تنسى.
من كان يحاكم غيره صار اليوم يُحاكم،
ومن وقّع على أوامر القصف وابتسم أمام عدسات الكاميرات، صار يواجه قضاة بلده بتهم الفساد وغسيل الأموال.
كأن العدالة الكونية شاءت أن تُغلق الدائرة على نحو لا يخلو من الدهشة والسخرية.
ليس في الأمر سحر ولا مصادفة.
إنه منطق التاريخ حين يستعيد توازنه، ويُعيد لكل فعل صداه، ولكل يدٍ ما صنعت.
ربما رحل القذافي، وربما تقادمت الملفات، لكنّ ذاكرة الشعوب لا تُمحى.
هي تحفظ الوجوه، وتنتظر اللحظة المناسبة لتعيد ترتيب المشهد بما يليق بالعدالة.
ففي اليوم الذي قُتل فيه القذافي، سُجن ساركوزي.
وتلك — بحق — ليست مصادفة