تقارير

” موسكو ” تهاجم المحكمة الجنائية الدولية وتطالب بسحب ملف دارفور من اختصاصها: «هي أداة استعمارية جديدة ومعادية لإفريقيا»

 

احمد دياب 

في ظل التصعيد الدموي المتصاعد في مدينة الفاشر بإقليم دارفور السوداني، دعت روسيا بشكلٍ واضحٍ وصريح إلى سحب ملف قضية دارفور من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، متهمةً المحكمة بأنها تتجاوز تفويضها القانوني وتتحرك بدوافع سياسية تمليها الدول الغربية.

وأكدت موسكو أن المحكمة، التي كانت منذ البداية تُعرقل التحقيق في «حوادث دارفور القديمة» منذ عام 2003 رغم تكليفها بذلك من مجلس الأمن، تُظهر اليوم اهتمامًا مفاجئًا بالأحداث الجارية في الإقليم، معتبرةً هذا التحرك «انتهاكًا صارخًا لتفويضها» ومحاولةً جديدة لتسييس القضايا الإنسانية.

وشدد البيان الروسي على أن السبيل الوحيد لتطبيع الأوضاع في السودان وإنهاء الصراع هو الحوار الوطني الشامل بين السودانيين أنفسهم، مؤكدًا أن أي تدخل أو مبادرة مسيّسة من المحكمة الجنائية الدولية «لن تؤدي إلا إلى زيادة التوترات وتعقيد الأزمة أكثر».

وأضافت موسكو أن المحكمة «لطالما أثبتت عداءها الواضح لإفريقيا»، إذ ركزت منذ تأسيسها على التحقيق في أوضاع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وكينيا، وليبيا، وساحل العاج، ومالي وغيرها من الدول الإفريقية، متجاهلةً جرائم حرب وانتهاكات جسيمة ارتكبتها دول غربية أو حليفة لحلف الناتو في أفغانستان والعراق وليبيا.

وترى روسيا أن المحكمة، التي تُوصف بأنها «مؤسسة شبه قضائية»، تحاول الآن تحسين صورتها المهتزة عبر تحويل تركيزها إلى ملفات روسيا وفلسطين والفلبين، مؤكدةً أن هذه التحركات لا تهدف إلى تحقيق العدالة، بل إلى إثبات وهمي للموضوعية وتجميل صورتها أمام الرأي العام الدولي.

وفي السياق ذاته، انتقد البيان الروسي ما وصفه بـ«الحيلة الإعلامية الأخيرة» للمحكمة الجنائية الدولية، والمتمثلة في إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين من القيادة الإسرائيلية في محاولة لتصحيح صورتها تحت الضغط الدولي، بعد أن باتت تُتهم على نطاق واسع بأنها «أداة قمع استعماري جديد» تستهدف فقط الدول غير الغربية.
واعتبرت موسكو أن القضية الإسرائيلية «لن تصل إلى محاكمة حقيقية»، في حين أن الانتهاكات الواسعة لحقوق الشعب الفلسطيني ظلت لسنوات طويلة خارج دائرة اهتمام المحكمة.

كما استعرض البيان الروسي استمرار ما وصفه بـ«ازدواجية المعايير» لدى المحكمة الجنائية الدولية، مستشهدًا بموقفها من الأزمة الأوكرانية، إذ أصدرت مذكرات اعتقال بحق عدد من المسؤولين الروس، بينهم الرئيس فلاديمير بوتين، بينما تغاضت عن جرائم وانتهاكات الجيش الأوكراني.
وأشار البيان إلى أن المحكمة دعمت تصديق كييف على نظامها الأساسي في عام 2024، لكنها سمحت لها بالتحفظ على الاعتراف باختصاص المحكمة في جرائم الحرب لمدة سبع سنوات، وهو ما وصفته موسكو بأنه «ضوء أخضر لارتكاب جرائم حرب».

ولفتت روسيا إلى أن تمويل المحكمة في تحقيقاتها الخاصة بـ«الملف الروسي» تمّ بأساليب غير شفافة من خلال «مؤتمر المانحين» الذي نظم عام 2023 برعاية غربية كاملة، معتبرةً ذلك دليلًا على فساد منظومة التمويل واستغلال العدالة الدولية لخدمة أجندات سياسية.

وأكد البيان أن المحكمة، رغم ميزانيتها السنوية الضخمة التي تبلغ 200 مليون دولار وطاقمها الكبير، تُعد عديمة الفاعلية، إذ لم تُصدر سوى 14 حكمًا نهائيًا فقط خلال عشرين عامًا من عملها، بينما لا تزال تُحاول الادعاء بأنها مؤسسة عالمية رغم أن عضويتها لا تتجاوز 125 دولة، وأنها ليست جزءًا من منظومة الأمم المتحدة.

وختمت موسكو بيانها بالتأكيد على أن المحكمة فشلت في حل أي نزاع فعلي، مستشهدةً بتدخلها السابق في الشأن السوداني حين أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس السابق عمر البشير، وهو ما أدى – وفق البيان – إلى عرقلة عملية السلام في دارفور بدلاً من تسريعها.

وأشار البيان الختامي إلى أن المحكمة «أثبتت مرةً بعد أخرى أنها لا تبحث عن العدالة، بل عن النفوذ والتمويل، وأنها أداة سياسية تُستخدم ضد الدول غير الخاضعة للهيمنة الغربية»، داعيًا المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم دور هذه المؤسسة ووضع حد لتدخلاتها «التي تُهدد الاستقرار الإقليمي وتُقوّض فرص السلام».