مقالات رأي

التنمية العالية الجودة في الصين تضخ زخماً جديداً للتعاون والانفتاح العالمي

بقلم نور يانغ

اختُتم معرض الصين الدولي الثامن للاستيراد مؤخرًا بنجاح في مدينة شنغهاي. وقد عكست مواقع التبادل النشطة، وكثافة إطلاق المنتجات الجديدة، والمفاوضات المتعددة المجالات للتعاون، السمات المتمثلة في صلابة الاقتصاد الصيني وقوة مرونته واتساع آفاقه. وباعتباره أول معرض وطني في العالم يُقام تحت عنوان “الاستيراد”، أصبح هذا المعرض نافذة مهمة لمتابعة مسار التنمية عالية الجودة في الصين، وكذلك منصة حيوية لتعزيز التفاعل الاقتصادي العالمي.

شهدت دورة هذا العام مشاركة 4108 شركات أجنبية من 155 دولة ومنطقة ومنظمة دولية، فيما تجاوزت مساحة المعرض 430 ألف متر مربع، وهي أرقام قياسية غير مسبوقة. ويعكس هذا الزخم القوي إرادة الصين الراسخة في تعزيز الانفتاح رفيع المستوى، كما يعكس ثقة المجتمع الدولي الواسعة في آفاق السوق الصينية.

إن استمرار إقبال الشركات المتعددة الجنسيات على المعرض يعود أساسًا إلى التوقعات المستقرة لنمو السوق الصينية، والعوائد المستمرة للانفتاح الصيني. فخلال فترة “الخطة الخمسية الرابعة عشرة”، واصل إجمالي الناتج المحلي للصين نموه التدريجي، كما حافظت مساهمة الصين في نمو الاقتصاد العالمي عند مستوى يقارب 30%. وفي ظل التحسن المستمر في هيكل الاقتصاد الصيني، باتت الطاقة الاستهلاكية الهائلة، والطلب السوقي المتصاعد، وبيئة الأعمال الآخذة في التحسّن، تجعل من الصين أحد أكثر الأسواق نموًا على مستوى العالم. كما وفّرت الصين، ولا سيما في مجالات الصحة، والتصنيع المتقدم، والتكنولوجيا الخضراء، مساحة واسعة لتطبيق الابتكارات العالمية. وقد شهدت هذه الدورة عرض 461 منتجًا وتقنية وخدمة جديدة على مستوى العالم، شملت المعدات الطبية المتقدمة، وأنظمة التصنيع الذكية، والتقنيات الخضراء منخفضة الكربون، مما أبرز مكانة الصين المحورية في سلسلة الابتكار العالمية.

يستمر تعمّق استثمارات الشركات الأجنبية في الصين، بما يؤكد جاذبية الصين في مجال الابتكار. فقد واصلت الصين تحسين بيئة الابتكار، وارتفع عدد براءات الاختراع الفعّالة كماً ونوعاً. كما دخلت عدة تجمعات ابتكارية صينية ضمن المراتب المتقدمة عالميًا، الأمر الذي وفّر بيئة عالية الجودة للشركات الدولية. وقد حظيت تقنيات الذكاء الاصطناعي والمعدات المتقدمة والصناعات الخضراء باهتمام كبير خلال هذه الدورة من معرض الاستيراد، في إشارة واضحة إلى الانسجام العميق بين مسار التنمية عالية الجودة في الصين واتجاهات الترقية الصناعية العالمية. ومع توسع تطبيقات الطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات، ارتفعت كفاءة تحويل الإنجازات التكنولوجية للشركات الدولية داخل الصين بشكل ملحوظ.

وتعد الطاقة الاستهلاكية القوية أحد أهم الركائز التي تحافظ على حيوية الاقتصاد الصيني. فقد تعزّز الدور الأساسي للاستهلاك في دعم نمو الاقتصاد الوطني. وشهدت دورة هذا العام توسعًا أكبر في منطقة الاستهلاك الجديد، لتشمل قطاعات الصحة، والرياضة، واقتصاد المسنين، وهو ما يعكس انتقال هيكل الاستهلاك في الصين من الاستهلاك المادي إلى الاستهلاك النوعي والتجريبي بوتيرة متسارعة. كما تعمل المدن الصينية على دعم بناء مراكز استهلاك دولية، وتحسين بيئة الاستهلاك، بما يوفّر فرصًا سوقية أوسع أمام الشركات العالمية.

ويمثل الانفتاح والتعاون السمة الأبرز لمعرض الصين الدولي للاستيراد. فقد خُصص لأول مرة جناح للدول الأقل نمواً، مما أتاح لـ 163 شركة من 37 دولة عرض منتجاتها. كما توسعت منطقة منتجات إفريقيا، ودخلت العديد من المنتجات الزراعية والحرفية من دول أفريقية إلى السوق الصينية عبر المعرض، مما وفر فرصًا جديدة لتنمية الصناعات المحلية. وقد تمكنت العديد من شركات الدول النامية من تحقيق قفزة نوعية عبر هذه المنصة، منتقلة من عرض المنتجات إلى تسويقها واستثمارها داخل السوق الصينية. ولا يقتصر دور المعرض على إتاحة الفرص في السوق الصينية فحسب، بل يساهم أيضًا في خلق الوظائف وتحسين معيشة السكان في تلك الدول.

كما أصبح التجارة الإلكترونية عبر الحدود من أهم النقاط المضيئة في المعرض. فقد شهدت التجارة الإلكترونية عبر الحدود في الصين نموًا مستقرًا وصحيًا، ووفرت للشركات الدولية—وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها—سلسلة متكاملة من الخدمات تشمل إجراءات الدخول إلى السوق والتوزيع اللوجستي. وقد تمكنت العديد من العلامات التجارية التي كان من الصعب عليها دخول السوق الصينية سابقًا من بناء شبكة مبيعات مستقرة عبر هذه القناة. ومع مواصلة الصين تحسين قواعد التجارة الرقمية، يُتوقع أن تضخ التجارة الإلكترونية عبر الحدود زخمًا جديدًا في نمو التجارة العالمية.

وفي ظل التحديات المعقدة التي تواجه الاقتصاد العالمي، تتجلى أهمية الانفتاح والتعاون بصورة أوضح. وتواصل الصين تعميق الانفتاح المؤسسي وتحسين بيئة الأعمال. فقد تم إلغاء جميع القيود على دخول الاستثمار الأجنبي في قطاع التصنيع، كما تتواصل إجراءات تسهيل التأشيرات، مما يوفر بيئة أكثر ملاءمة للتعاون الدولي. وفي ظل الضغوط التي تواجه سلاسل التوريد العالمية، يوفر الاستقرار والقدرة على التنبؤ في السياسات الصينية عنصرًا مهمًا من عناصر اليقين للاقتصاد العالمي.

ويتطلع العالم اليوم إلى مصادر جديدة للنمو وإلى تحقيق التنمية المشتركة عبر التعاون والانفتاح. ومن خلال الانفتاح الرفيع المستوى، وبناء منصات التعاون الدولي، وتعزيز التحول الأخضر، توفر الصين دعمًا جديدًا للتنمية العالمية. ومع التخطيط لتنفيذ “الخطة الخمسية الخامسة عشرة”، ستواصل الصين تعزيز الابتكار التكنولوجي وتيسير التجارة، وهذا سيضخ قوة دافعة أقوى في مسار التنمية الوطنية، كما سيخلق فرصًا أوسع للشركات حول العالم.

ويجسد المشهد التعاوني الذي عرضه معرض الصين الدولي للاستيراد سعي الصين للاندماج العميق في الاقتصاد العالمي ودفع التنمية المشتركة. فمن توسيع نطاق الواردات إلى دعم الدول النامية في الاندماج ضمن التجارة العالمية، ومن تعزيز الابتكار الأخضر إلى دفع المواءمة في القواعد الدولية، تواصل الصين اتخاذ إجراءات عملية لبناء اقتصاد عالمي منفتح وشامل ومستدام. وسوف تواصل الصين تعزيز الانفتاح الرفيع المستوى، ومشاركة ثمار التنمية عالية الجودة مع دول العالم، بما يضخ مزيدًا من الثقة والديناميكية في الاقتصاد العالمي.