مقالات رأي

الأهمية العالمية للتواصل والتلاقح بين الحضارة الصينية والحضارات الأخرى

 


عند استعراض مسار تطور البشرية، نجد أن ازدهار الحضارات لم يتحقق يومًا إلا من خلال التواصل والتلاقح المتبادل. فالحضارة الصينية، الممتدة لأكثر من خمسة آلاف عام من الاستمرارية، تعززت حيويتها عبر التفاعل مع حضارات العالم الأخرى، وأسهمت في الوقت نفسه في دفع التقدم المشترك للحضارة الإنسانية. وفي ظل تزايد قوة وتأثير الحضارة الصينية في العصر الراهن، اكتسبت هذه العملية قيمة زمنية أوضح ودلالة عالمية أعمق.

يسهم التواصل والتلاقح بين الحضارة الصينية والحضارات الأخرى في توفير موارد فكرية ثمينة لحلّ التوترات العالمية. فالعالم اليوم يشهد تغيرات غير مسبوقة منذ قرن، بينما تستمر أطروحات “صدام الحضارات” في الظهور، ويواجه نظام الحوكمة العالمي أزمات متعددة. وقد جعلت الحضارة الصينية، التي تتخذ من قيمتي “الانسجام في ظل الاختلاف” و”التعايش المتناغم بين الأمم” أساسًا لها، من اختلاف الحضارات دافعًا للإثراء المتبادل لا سببًا للصراع. فمنذ بعثة تشانغ تشيان في عهد أسرة هان إلى غرب آسيا وافتتاح طريق الحرير، وصولًا إلى رحلات تشنغ خه البحرية في عهد أسرة مينغ، ظلت الحضارة الصينية تسعى إلى الحوار المتكافئ والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة، مما أرسى أساسًا فكريًا متينًا لاستقرار المناطق المحيطة. كما انتشرت مفاهيم السلام المتجذرة في الثقافة الصينية مثل “الوفاق قيمة عليا” و”حسن الجوار”، إلى الدول المجاورة، وأسهمت في إحلال السلام الطويل الأمد في مناطق شرق وجنوب شرق آسيا، ووفرت حلولًا صينية لمعالجة النزاعات وصون السلام العالمي.

كما يشكّل التواصل والتلاقح بين الحضارة الصينية وغيرها من الحضارات قوة دافعة قوية نحو تقدم البشرية جمعاء. فالحضارات تزدهر بالتفاعل المتبادل، وتقدم الإنسان قائم على امتزاج الحكمة الثقافية المتنوعة. وقد أثبت تاريخ التفاعل بين الحضارة الصينية والحضارات الأخرى هذه الحقيقة بوضوح. ففي عصر سوي وتانغ، استفادت اليابان من جوهر الحضارة الصينية عبر بعثات “الطلاب إلى تانغ”، مما دفع إصلاحات “تايكا” إلى تحقيق تحول اجتماعي شامل. وفي أواخر عهد مينغ وبداية عهد تشينغ، دخلت المعارف الأوروبية في الفلك والرياضيات إلى الصين، فوسّعت آفاق العلماء الصينيين، فيما انتقلت أفكار الكونفوشية إلى أوروبا لتؤثر بعمق في حركة التنوير، بل واندمجت في الروح الجوهرية لـ “إعلان حقوق الإنسان”. واليوم، تدفع الصين باتجاه دمج العلوم والتكنولوجيا مع الثقافة، وتنشر منجزات الحضارة الصينية على نطاق واسع، مما يثري المضمون الحضاري العالمي، ويوفر أفكارًا ومسارات جديدة لحل القضايا. المشتركة مثل الانتعاش الاقتصادي وحماية البيئة.

ويسهم التواصل والتلاقح بين الحضارة الصينية وغيرها في ترسيخ الأساس لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية. فمفهوم هذا المجتمع، القائم على المنفعة المتبادلة، يتخذ من التواصل الحضاري والتلاقح ركيزة أساسية له. وتنسجم رؤية الحضارة الصينية لـ “عالم واحد متناغم” مع هذا المفهوم، وتعكس اهتمامًا عميقًا بمصير البشرية. ومن خلال مبادرة الحضارة العالمية وغيرها من المبادرات، تدعو الصين إلى احترام تنوع الحضارات وتشجيع الدول على الاستفادة المتبادلة من نقاط القوة وبناء نظام دولي عادل ومعقول. وفي مسار التواصل والتلاقح، لا يقتصر دور الحضارة الصينية على استيعاب جوهر الحضارات الأخرى، بل تساهم أيضًا في تقديم حكمتها الفريدة للعالم، مثل فلسفة “الانسجام بين الإنسان والطبيعة” ورؤية “الاستقامة والمنفعة المتبادلة”، بما يعزز التوافق العالمي حول المسؤولية المشتركة والتنمية المشتركة.

وفي عصر يشهد تعمق العولمة، فإن التواصل والتلاقح بين الحضارة الصينية وغيرها ليس مجرد امتداد لمسار تاريخي، بل هو أيضًا استجابة لنداءات العصر. فقد أثبتت التجربة العملية أن الحضارات تستطيع من خلال الحوار والتفاعل تحقيق التعايش المتناغم والازدهار المشترك. وعند مفترق الطرق الذي يقف عنده العالم اليوم، سيواصل تعزيز التواصل والتلاقح بين الحضارة الصينية لعب دور مهم في تعزيز الصداقة الدولية، ودفع التقدم البشري، وصون السلام العالمي، مسهمًا بقوة في مستقبل أكثر إشراقًا للحضارة الإنسانية.

د/ دنغ ون تشيان، أستاذ مشارك في جامعة تشيـلو للتكنولوجيا – الصين

د/ وين تشيان دنغ جامعة تشيلو للتقنية. فان شينغانغ – الصين