دور التأمين في تمكين المرأة في ظل مخاطر المناخ

يمثل تغير المناخ أحد أخطر التحديات التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين، وتتجاوز تداعياته الجوانب البيئية إلى آثار اقتصادية واجتماعية عميقة، يظهر معظمها في اتساع فجوة عدم المساواة بين الجنسين. فالنساء، بحكم موقعهن الاجتماعي والاقتصادي في العديد من المجتمعات، يتحملن العبء الأكبر للأزمات المناخية؛ إذ تعتمد كثير من الأسر على جهود المرأة في تأمين الغذاء والماء والطاقة، مما يجعل هشاشتها أكبر أمام الجفاف، والفيضانات، والعواصف، والظواهر المناخية المتطرفة.
تأثيرات المناخ على النساء: واقع غير متكافئ
تشير البيانات الدولية إلى أن النساء أكثر عرضة للمخاطر المناخية لعدة أسباب هيكلية؛ من بينها محدودية الوصول إلى الموارد، وعدم امتلاك الأصول، وصعوبة الحصول على التمويل، إلى جانب ارتفاع نسب النزوح بين النساء والفتيات نتيجة الكوارث الطبيعية.
دراسات عديدة كشفت أن وفيات النساء خلال الأعاصير في بعض الدول — مثل بنغلاديش — تفوق الرجال بأضعاف، نتيجة نقص مرافق الإيواء المناسبة أو مخاطر العنف أثناء النزوح. كما تتأثر صحة المرأة الإنجابية أثناء الكوارث نتيجة انقطاع الخدمات الأساسية، وهو ما تؤكده تقارير منظمة الصحة العالمية التي تتوقع زيادة في وفيات الملاريا والإجهاد الحراري خلال العقود القادمة.
يضاف إلى ذلك أن الفتيات غالبًا ما يُجبرن على ترك التعليم بعد الكوارث، وأن النساء محرومات من ملكية الأراضي في كثير من البلدان، مما يضعف قدرتهن على الحصول على التأمين أو التمويل ويزيد من مستويات الفقر بينهن.
التأمين كأداة لتمكين المرأة وتعزيز المرونة
برز التأمين ضد مخاطر المناخ كأحد أهم الوسائل الاقتصادية التي تساعد الأفراد والمجتمعات — خصوصًا النساء — على الصمود أمام الصدمات المناخية. فالتأمين لا يقوم فقط بتعويض الخسائر، بل يوفر مظلة أمان مالي تدعم استمرارية حياة المرأة الاقتصادية والاجتماعية.
أولاً: تعزيز الحماية المالية
يوفر التأمين قدرة فورية على التعافي بعد الكوارث. فعندما تفقد المرأة محصولها أو مصدر دخلها نتيجة الجفاف أو الفيضانات، يتيح لها التعويض المالي إعادة الاستثمار في أدوات الإنتاج أو شراء الغذاء والاحتياجات الأساسية، مما يمنعها من اللجوء إلى خطوات سلبية مثل بيع الأصول أو إخراج الأطفال من المدارس.
بهذا يتحول الخطر الكبير إلى تكلفة شهرية صغيرة — قسط التأمين — مما يقلل من حالة عدم اليقين المالي ويمنح المرأة استقراراً أكبر.
ثانياً: تحفيز الابتكار والاستثمار
تغطية المرأة تأمينياً ضد مخاطر فشل المحاصيل أو الكوارث يجعلها أكثر استعداداً لتجربة تقنيات جديدة سواء في الزراعة الذكية مناخياً، أو إدخال تحسينات على مشروعاتها الصغيرة.
كما يساعد وجود وثيقة تأمين على تسهيل الحصول على قروض صغيرة، إذ تعتبرها المؤسسات المالية ضمانًا يقلل من مخاطر عدم السداد.
ثالثاً: تصميم منتجات تأمينية تراعي احتياجات المرأة
حتى يكون التأمين فعالاً، يجب أن تكون منتجاته حساسة للنوع الاجتماعي، وتلائم نمط حياة المرأة واحتياجاتها الفعلية، مثل:
التأمين متناهي الصغر: الذي يقدم تغطيات بأسعار صغيرة لذوي الدخل المحدود، وهو مناسب للنساء العاملات في القطاع غير الرسمي.
التأمين البارامتري: الذي يصرف التعويض فور حدوث الظاهرة المناخية دون الحاجة لإجراءات معقدة، ما يمنح المرأة سيولة عاجلة.
التغطيات العائلية: التي تراعي المسؤولية الأكبر للمرأة داخل الأسرة، من صحة الأطفال إلى حماية الممتلكات الصغيرة.
هذه المنتجات تمنح المرأة الأمان المالي والمرونة اللازمة للاستمرار في العمل، حتى في أصعب الظروف.
التحديات التي تواجه وصول المرأة إلى التأمين المناخي
رغم الأهمية الكبرى، ما زالت المرأة تواجه عقبات تعيق استفادتها من التأمين، من أبرزها:
1. تحديات اجتماعية وهيكلية
غياب ملكية الأصول، اعتماد القرار المالي على الزوج، وتعرض النساء للنزوح والعنف يجعل من دخولهن في المنظومة المالية أمراً بالغ الصعوبة.
2. صعوبة الحصول على المنتج التأميني المناسب
في كثير من الأحيان تُصمم منتجات التأمين للرجل أو للأعمال الكبيرة، ولا تراعي طبيعة عمل النساء في الزراعة المعيشية أو الاقتصاد غير الرسمي، كما قد تكون الأقساط مرتفعة مقارنة بدخولهن.
3. ضعف التثقيف المالي
قلة الوعي بآليات التأمين والجهل بطرق الاستفادة من المنتجات التأمينية يؤديان إلى عدم الثقة وتردد النساء في شراء الوثائق.
4. معوقات جغرافية ورقمية
نساء المناطق الريفية لا يصلن بسهولة إلى البنوك أو شركات التأمين، كما أن ضعف البنية الرقمية يحرم الكثيرات من خدمات المدفوعات الإلكترونية.
نماذج دولية ناجحة: عندما يصبح التأمين أداة تغيير
شهدت عدة دول مبادرات ناجحة أثبتت قدرة التأمين على تمكين المرأة إذا تم تصميمه بشكل جيد، ومنها:
برامج التأمين البارامتري في الهند التي تعوض النساء العاملات في القطاع غير الرسمي عند ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات خطرة.
برامج في فيجي ساعدت النساء على إعادة بناء منازلهن ومشروعاتهن بعد الأعاصير بفضل سرعة صرف التعويضات.
التأمين الزراعي القائم على المؤشر في إفريقيا وآسيا الذي ارتبط بتقديم قروض صغيرة وبذور مقاومة للجفاف لمزارعات الريف.
هذه النماذج تؤكد أن التأمين ليس مجرد خدمة مالية، بل شريك أساسي في تحقيق الاستدامة والحد من الفقر بين النساء.
رؤية اتحاد شركات التأمين المصرية
يؤكد اتحاد شركات التأمين المصرية أن تعزيز قدرة المرأة على مواجهة مخاطر المناخ أصبح ضرورة وطنية، وليس مجرد خيار. فالمرأة عنصر رئيسي في منظومة الإنتاج ورعاية الأسرة وإدارة الموارد، ولذلك فإن استهدافها بسياسات تأمينية تراعي احتياجاتها يساهم في حماية الاقتصاد الوطني من صدمات المستقبل.
كما يرى الاتحاد أن دمج منظور النوع الاجتماعي في الاكتتاب وإدارة المخاطر وتطوير المنتجات سيؤدي إلى رفع مستويات الشمول التأميني، ويعزز قدرة المرأة على الاستثمار في الممارسات المناخية المستدامة، مما يدعم أهداف التنمية المستدامة ويقوي منظومة الصمود المناخي في مصر.







