الرباط تطلق وثيقة مفصلية لحماية ضحايا الإرهاب وترسم معالم تعاون إفريقي جديد
احمد دياب

في مشهد يعكس يقظة إفريقية متجددة في مواجهة الإرهاب وتبعاته الإنسانية القاسية، شهدت العاصمة المغربية الرباط ميلاد وثيقة مفصلية من شأنها إعادة رسم أسس التعامل مع ضحايا الإرهاب في القارة. فقد شكّل اعتماد “إعلان الرباط” خطوة نوعية تعكس وعيًا متقدمًا بضرورة رد الاعتبار للضحايا، ووضعهم في قلب السياسات العمومية والاستراتيجيات الإقليمية الهادفة إلى مواجهة التطرف العنيف وتجفيف منابعه.
شهدت العاصمة المغربية الرباط، يوم الثلاثاء الموافق الثاني من ديسمبر عام ألفين وخمسة وعشرين، محطة تاريخية في مسار الاهتمام الإفريقي بقضايا ضحايا الإرهاب، حيث اعتمد الشق الوزاري لمؤتمر الضحايا الأفارقة للإرهاب “إعلان الرباط” الذي جاء ليعيد الاعتبار للفئات المتضررة، ويضع الأسس العملية لتعزيز الحماية القانونية والمؤسساتية لهم، انطلاقًا من رؤية شاملة ومتوازنة.
وجاء الإعلان ليؤكد أن حماية الضحايا ليست مجرد بند ثانوي في معركة مواجهة الإرهاب، بل هي محور أساسي في صياغة السياسات الوطنية والإقليمية، حيث دعا إلى ضرورة تبني مقاربة شاملة ومتكاملة تستند إلى مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية، وتأخذ بعين الاعتبار الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية للضحايا.
وشدّد “إعلان الرباط” على أهمية تطوير التشريعات في الدول الإفريقية، وملاءمة منظوماتها الوطنية مع أفضل التجارب الدولية، بما يضمن ضمان حقوق الضحايا وصون الذاكرة الجماعية وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم. كما دعا إلى إرساء آليات دعم متعددة الأبعاد تشمل الرعاية الطبية، والمواكبة الاقتصادية، والدعم النفسي والاجتماعي، والحماية القانونية، مع تخصيص عناية استثنائية للأطفال والنساء والفئات الأكثر هشاشة.

ولم يقتصر الإعلان على البعد الوطني فقط، بل أبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، ولا سيما مع وكالات ومنظمات الأمم المتحدة، بهدف تبادل الخبرات وتطوير الكفاءات وتعبئة الموارد الدولية لدعم الجهود الإفريقية في مجال حماية ضحايا الإرهاب.
وفي بُعد آخر، سلّط الإعلان الضوء على الدور الحيوي للضحايا والناجين أنفسهم، باعتبارهم صوتًا صادقًا وقادرًا على مواجهة الخطاب المتطرف، والدفع نحو بناء مجتمع أكثر مقاومة للتطرف العنيف. ودعا إلى إدماجهم في صياغة السياسات العمومية، وتمكينهم من المشاركة الفعلية في المبادرات المرتبطة بالوقاية ومكافحة التطرف.
وفي ختام أعماله، أطلق الشق الوزاري نداءً جامعًا موجّهًا إلى كافة الدول الإفريقية، يدعوها إلى مواصلة الدينامية التي دشّنتها الرباط، وتعزيز القدرات الوطنية في مجال دعم الضحايا، وتطوير البرامج التي تسمح بإدماج الناجين كطرف فاعل وشريك رئيسي في بناء مجتمع أكثر أمنًا واستقرارًا، في ظل التحديات المتصاعدة التي تواجهها القارة الإفريقية.

