” اتحاد شركات التأمين ” يوضح أهمية الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي في صناعة التأمين نحو شمول مالي مستدام

احمد دياب
لم يعد الاكتتاب التأميني وظيفة فنية محصورة في حساب الاحتمالات وتقدير الخسائر، بل أصبح أحد المحركات الأساسية لتحقيق الشمول المالي والاستقرار الاجتماعي. ففي عالم يتسم بتفاوت الفرص الاقتصادية واختلاف أنماط العمل، تبرز الحاجة إلى تطوير نماذج اكتتاب أكثر حساسية للواقع الاجتماعي، وعلى رأسه الفروق المرتبطة بالنوع الاجتماعي. هذا التحول لا يستهدف منح امتيازات لفئة دون أخرى، بل يسعى إلى بناء منظومة تأمين أكثر عدلًا وكفاءة وقدرة على خدمة الاقتصاد الحقيقي.
من الحسابات الجامدة إلى الفهم الاجتماعي للمخاطر
اعتمدت نماذج الاكتتاب التقليدية على معايير ثابتة مثل الدخل الرسمي، والسجل الوظيفي، والتاريخ الطبي الموثق. ورغم أهمية هذه الأدوات، إلا أنها أغفلت شرائح واسعة، خصوصًا النساء العاملات في الاقتصاد غير الرسمي، واللواتي لا تنطبق عليهن الشروط التقليدية رغم تعرضهن لمخاطر فعلية.
الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي ينطلق من فهم أوسع للمخاطر، حيث يربط بين السلوكيات الاقتصادية والاجتماعية، وطبيعة العمل، ومستوى الدخل غير المنتظم، والمسؤوليات الأسرية، ليقدم تقييمًا أكثر واقعية للقدرة على الاحتمال والتعرض للخطر.
الفجوة التأمينية بين الجنسين، مشكلة سوق لا قضية اجتماعية فقط
تشير التجارب الدولية إلى أن ضعف وصول النساء إلى التأمين لا يعود إلى ارتفاع المخاطر، بل إلى عدم ملاءمة المنتجات والإجراءات. هذه الفجوة تمثل خسارة مزدوجة، اجتماعية واقتصادية، إذ تُحرم الأسر من أداة حماية أساسية، وتفقد شركات التأمين سوقًا واعدًا يتمتع بمعدلات التزام مرتفعة واستمرارية طويلة.
من هذا المنطلق، فإن معالجة الفجوة بين الجنسين في التأمين تُعد فرصة استثمارية حقيقية، وليست مجرد استجابة لضغوط تنظيمية أو أخلاقية.
كيف تختلف المخاطر باختلاف النوع الاجتماعي
المخاطر الصحية
تتعرض النساء لمخاطر صحية مرتبطة بمراحل حياتية محددة، مثل الحمل والولادة، إلى جانب أمراض تؤثر عليهن بنسب أعلى. في المقابل، ترتبط مخاطر الرجال بالحوادث المهنية والسلوكيات عالية الخطورة.
المخاطر الاقتصادية
غالبًا ما تعمل النساء في أنشطة صغيرة أو غير رسمية، ما يجعلهن أكثر تأثرًا بالصدمات الاقتصادية وتقلبات الدخل. كما يؤدي غياب الأصول المسجلة إلى تعقيد عملية الحصول على التأمين التقليدي.
المخاطر الاجتماعية
تفرض الأدوار الاجتماعية على النساء التزامات إضافية تقلل من قدرتهن على التعافي السريع من الأزمات، خاصة في غياب شبكات أمان مالية.
الاكتتاب الذكي كمدخل للنمو المستدام
تبني الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي يساعد شركات التأمين على:
توسيع قاعدة العملاء والوصول إلى شرائح غير مخدومة.
تنويع محافظ المخاطر وتحقيق استقرار أطول للأقساط.
تعزيز السمعة المؤسسية وبناء الثقة المجتمعية.
كما أن هذا التوجه يدعم التحول نحو التأمين الشامل، الذي أصبح أحد مؤشرات قوة الأسواق المالية الحديثة.
أدوات جديدة لتقييم المخاطر
البيانات البديلة
بدل الاعتماد الحصري على كشوف الرواتب والسجلات البنكية، يمكن استخدام:
سجلات التمويل متناهي الصغر.
بيانات المحافظ الإلكترونية.
الانتظام في السداد داخل الجمعيات التعاونية.
الاكتتاب المبسط
تقليل الإجراءات الطبية المعقدة، والاكتفاء بنماذج إفصاح مبسطة، يساهم في خفض التكلفة وتسريع الوصول للتغطية.
تصميم منتجات تعكس الواقع
المنتج التأميني المراعي للنوع الاجتماعي لا يقتصر على التسعير، بل يشمل:
تغطيات مرنة تناسب الدخل غير المنتظم.
حماية الأصول الصغيرة المستخدمة في كسب الرزق.
وثائق جماعية تقلل التكلفة وتعزز التضامن.
تجارب ناجحة من الأسواق الناشئة
في جنوب آسيا، ساهمت برامج التأمين متناهي الصغر في دمج ملايين النساء في المنظومة التأمينية من خلال الاكتتاب الجماعي والتوزيع عبر منظمات المجتمع المحلي. وفي دول جنوب شرق آسيا، أثبتت وثائق التأمين الصغيرة فعاليتها في حماية النساء من آثار الكوارث الطبيعية وتسريع التعافي الاقتصادي.
الاعتبارات الأخلاقية والتنظيمية
يعتمد نجاح الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي على التوازن بين الابتكار وحماية حقوق العملاء، من خلال:
الشفافية في استخدام البيانات.
منع أي شكل من أشكال التمييز غير المبرر.
الالتزام بحماية الخصوصية.
التحديات الواقعية
تواجه شركات التأمين تحديات تتعلق بندرة البيانات الدقيقة، والحاجة إلى تدريب الكوادر، وتطوير الأطر الرقابية بما يسمح بتجريب نماذج جديدة دون زيادة المخاطر النظامية.
التأمين والشمول المالي في السياق المصري
يمثل السوق المصري بيئة واعدة لتطبيق هذا النهج، في ظل انتشار المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وارتفاع نسبة مشاركة النساء في الاقتصاد غير الرسمي. ويُنظر إلى تطوير نماذج اكتتاب أكثر مرونة كخطوة أساسية لزيادة معدلات الاختراق التأميني وتحقيق الاستدامة.






