مقالات رأي

غداً … الخامس من يونيو

 

لواء دكتور سمير فرج :-

يحل علينا، غداً، يوم الخامس من يونيو، الذي يمثل ذكرى مريرة في تاريخ مصر، والعسكرية المصرية، عندما اندلع، في ذلك اليوم، من عام 67، الحرب التي شنتها إسرائيل على ثلاث دول عربية؛ هي مصر، والأردن، وسوريا، التي سماها العرب نكسة 67، بينما أطلقت عليها إسرائيل اسم حرب الأيام الستة، بعدما تمكنت، خلالهم، من احتلال شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة الواقع تحت الإدارة المصرية، حينها، كما احتلت الضفة الغربية من الأردن، وهضبة الجولان من سوريا.

تعتبر حرب الخامس من يونيو 67، ثالث جولات الصراع العسكري، العربي الإسرائيلي، وتوقف القتال فيها، بعد صدور القرار، الشهير، لمجلس الأمن، رقم “242”، الذي نصت نسخته الإنجليزية على انسحاب إسرائيل من “أراض” احتلتها بعد يونيو 67، دونما تعريف، وهو ما أرضى الإسرائيليين، بالطبع، بينما نصت النسخة العربية من القرار 242، بأن تنسحب إسرائيل من “الأراضي” التي احتلتها بعد يونيو 67، وهو ما تصبو إليه الدول العربية.

كان التوتر قد بدأ يوم الأول من مايو 67، حينما صرح ليفي إشكول، رئيس وزراء إسرائيل، حينها، بأن بلاده سترد بقوة على استمرار النشاط الفدائي الفلسطيني ضد إسرائيل، بالتزامن مع إعلان مصر وسوريا لإعادة تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بينهما. وفي 16 مايو أعلنت سوريا، من خلال مندوبها في مجلس الأمن، أن إسرائيل تعد هجوماً على أراضيها، فأعلنت مصر، على أثرها، حالة الطوارئ، وفي 17 مايو طلبت مصر سحب قوات الطوارئ الدولية. وفي 20 مايو أعلنت إسرائيل حالة الطوارئ، واستدعاء قوات الاحتياط، بعد قيام مصر بدفع قوات عسكرية كبيرة إلى شبه جزيرة سيناء، وفي يوم 22 مايو 67، أغلقت مصر مضيق تيران، أمام الملاحة الإسرائيلية. وفي 29 مايو انعقد مجلس الأمن، بناء على طلب مصر، حيث أكد مندوبها، أننا لن نكون القوة البادئة لأي عمل عسكري ضد إسرائيل. وفي يوم 31 مايو، زار الملك حسين القاهرة، طاوياً خلافاته مع الرئيس عبد الناصر، ووقع، كطرف جديد، على اتفاقية الدفاع المشترك، لتضم الأردن، مع مصر وسوريا.

وفي يوم 1 يونيو، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي، إشكول، تعديلاً في حكومته، معلناً موشي ديان وزيراً للدفاع، لنتفاجأ في يوم الخامس من يونيو 67، باندلاع الحرب، من خلال ضربة جوية إسرائيلية، ضد المطارات المصرية، مستغلة إيقاف عمل الصواريخ المصرية في سيناء، بسبب تحليق طائرة المشير عامر في هذه المنطقة. مع الأسف، تمكنت الضربة الجوية، للعدو الإسرائيلي، من إخراج القوات الجوية المصرية من المعركة، سواء بتدمير عدد من الطائرات، أو بتدمير ممرات الإقلاع والهبوط، باستخدام قنابل جديدة عرفت باسم “القنبلة الأسمنتية”، أنتجتها إسرائيل بالاشتراك مع فرنسا، مما أتاح للقوات البرية الإسرائيلية التقدم نحو سيناء، حيث تم الاستيلاء، بداية، على قطاع غزة، وتمكنت بعدها من احتلال سيناء بالكامل، مستغلة أن القوات المصرية تحارب في الأرض المفتوحة، دون غطاء جوي.

وفي يوم 6 يونيو، اندفعت القوات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية، على الجبهة الأردنية، وتمكنت من الوصول إلى نهر الأردن، فأغلقت الجسور، العشر، الموجودة بين الضفة الغربية والأردن. وعلى الجبهة السورية، اندفعت القوات الإسرائيلية، يوم 10 يونيو، واستولت قواتها على هضبة الجولان، لتنتهي تلك الحرب، في ستة أيام، باحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان، والضفة الغربية للأردن، واحتلال مدينة القدس … وهكذا تأزم الموقف في المنطقة.

ولقد كنت أحد المشاركين، في هذه الحرب، على خط الحدود، في “منطقة الكونتلا”، وكنت ممن تلقوا الأوامر بالانسحاب، بعد الضربة الجوية يوم 5 يونيو، إلى “نخل” نحو الغرب، وبعدها إلى “ممر متلا”، لنجد قوات العدو الإسرائيلية نصبت فخاً، في المحور الجنوبي، لهذا الممر، بطول 32 كم، لاصطياد قوات الجيش المصري. وبعد تدمير معظم معداتنا، عدنا سيراً، على الأقدام، في اتجاه الغرب، فوصلت إلى قناة السويس، يوم 9 يونيو 67، لأسجله في ذاكرتي كأسوأ أيام حياتي؛ فبعد تدمير قواتنا في سيناء، وأيام من السير على الأقدام، دون خطة انسحاب، فقدنا خلالهم المزيد من الأفراد والعتاد، وصلنا للضفة الغربية للقناة، ورأيت على بُعد 200 متر، هي عرض القناة، العلم الإسرائيلي مرفوع على ضفتها الشرقية، وصوت الرئيس عبد الناصر، يطل علينا من الإذاعة، في الخامسة مساءً، معلناً تنحيه عن رئاسة الجمهورية، ليزيد تلك الصفحة من تاريخ مصر، قتامة.

ولكن بإصرار الشعب المصري العظيم، وبصلابة قواته المسلحة، تم إعادة بناء الدفاعات على قناة السويس، لمنع العدو من عبورها، وتهديد العاصمة، وتم إعادة هيكلة القوات المسلحة، وتعيين الفريق محمد فوزي وزيراً للحربية، والفريق عبد المنعم رياض رئيساً للأركان، ونجحت قياداتنا في إعادة تسليح قواتنا بأحدث الأسلحة، ورفع كفاءتها بالتدريب، وقام الجيش المصري، خلال 6 سنوات، هي عمر حرب الاستنزاف، بالإعداد والتجهيز للخطة الهجومية، لاقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف، واستعادة الأرض.

كذلك نجح الجيش المصري، خلال حرب الاستنزاف، في القيام بعمليات رائعة ضد إسرائيل، منها، على سبيل المثال، نجاحه في إغراق المدمرة إيلات أمام سواحل بورسعيد، والغواصة دافار أمام سواحل الإسكندرية. وفي تلك الفترة قامت القوات المسلحة المصرية، بالتعاون مع المدنيين، بتهجير ثلاث مدن في منطقة القناة، هم بورسعيد والإسماعيلية والسويس، ونجحت قواتنا في بناء حائط الصواريخ، صاحب الفضل في منع القوات الإسرائيلية من التدخل في عملية اقتحام قناة السويس، في حرب أكتوبر 73، التي انتصرت فيها مصر، وشعباً وجيشاً، وصارت رمزاً في تخطي الهزيمة.

Email: [email protected]