رسالة ردع من سيدي براني
بقلم / لواء د. سمير فرج
من فوق رمال سيدي براني علي الحدود المصرية الغربية، وقف السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي يعلن بكل ثقة ووضوح أن الجيش المصري يحمي ولا يهدد، وأن القوة العسكرية التي اصطفت أمام الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة في البداية في قاعدة سيدي براني العسكرية الجوية من طائرات القوات الجوية المصرية بمختلف أنواعها وطياريها وعناصر من القوات الخاصة من المظلات والصاعقة وقوات حرس الحدود، واصطفاف القوات البرية من الفرقة 21 المدرعة بكامل تشكيلها واستعدادها القتالي لكي يعلن للعالم أجمع أن الجيش المصري التاسع عالمياً يقف حالياً يؤمن حدود مصر الغربية، وليؤكد السيد الرئيس أننا لن نكون غزاة وليس لدينا أية مطامع في ليبيا.
والحقيقة إن كلمات السيد الرئيس جاءت لتؤكد أن الاستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة المصرية هي استراتيجية دفاعية منذ بدء تكوين الجيش المصري، لأنه لم يحدث عبر التاريخ أن قام الجيش المصري بالتوسع، ولكن كانت كل عملياته السابقة بأوامر من السلطان العثماني لتأديب دولة، أو لتوسيع رقعة الإمبراطورية العثمانية، ومن هنا جاءت عقيدة المقاتل المصري والدولة المصرية أن جيش مصر لتأمين حدودها واستثماراتها وأهدافها الحيوية، أي أنها استراتيجية دفاعية وليست استراتيجية هجومية توسعية، لذلك كانت رسالة السيد الرئيس وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ومن وسط رجاله وجنوده هي رسالة ردع لمن تسول له نفسه المساس بأمن مصر القومي.
وكانت تعبيرات السيد الرئيس أكثر دقة عندما قال إن جيشنا رشيد يحمي ولا يهدد، وأكد أن الثوابت للاستراتيجية المصرية حددت تحرك مصر في اطار احترام قرارات الأمم المتحدة الصادرة من مجلس الأمن الدولي، ثم الالتزام بقرارات مؤتمر برلين بهدف عدم دعم أي عناصر في ليبيا بالأسلحة والمعدات العسكرية، كذلك دعمت مصر كافة المبادرات الإقليمية والدولية لحل المشكلة الليبية في اطار أن يكون الحل الليبي ليبي، وأن مصر لن تسمح بسيطرة المليشيات المسلحة بدعم قوي خارجية تمثل تغييراً جديداً في موازين القوي في المنطقة، وبالتالي تهديد دول الجوار التي نحن جزءٌ منها، وأشار الرئيس إلى أن إعلان القاهرة لحل المشكلة الليبية يتسق مع كل قرارات الأمم المتحدة ومؤتمر برلين، وذلك بهدف تحقيق إرادة وطموحات كافة مكونات الشعب الليبي واستعادة المؤسسات الوطنية الليبية، واستعادة الأمن والاستقرار من خلال الوقف الفوري لإطلاق النار وانسحاب كافة القوي الأجنبية وأسلحتها ومرتزقيها من الأراضي الليبية.
وفور انتهاء كلمة السيد الرئيس بدأ التأييد بالتحرك المصري من دول الخليج العربي والدول الأوروبية، حتى الولايات المتحدة أعلنت بصراحة تأييد مبادرة الرئيس لوقف إطلاق النار، والبدء في مباحثات سياسية لتحقيق الاستقرار علي الأرض الليبية، والحق يقال أنه برغم كل المبادرات والقرارات السابقة لم يهتم أحد بوضع الشعب الليبي إلا مبادرة السيد الرئيس السيسي، لذلك فإن البرلمان الليبي المنتخب طالب مصر بالتدخل ومساندة القوات المسلحة الليبية.. ومن هنا جاءت الشرعية التي أعلن عنها السيد الرئيس وأن تحركه هو استجابة لطلب البرلمان الليبي المنتخب وقرارات الأمم المتحدة التي تؤيد حق الدولة في حماية أمنها القومي في حالة أي تهديدات من الدول المجاورة.
وللحق يقال إن التدخل التركي العسكري علي أرض ليبيا قد عقَد المشكلة الليبية تماماً وأضاف لها أبعاداً جديدة كان من السهل الوصول إلي حل سياسي بين كل الأطراف الليبية بدونها، لكن جاء التدخل التركي لكي يزيد المشاكل داخل ليبيا تعقيداً، خاصة أن تركيا لم تلتزم بقرارات الأمم المتحدة أو مؤتمر برلين الذي كان أردوغان حاضراً له، واشترك في هذه القرارات التي حذرت بأي تدخل خارجي علي الأراضي الليبية سواء بالقوات أو الأسلحة والمعدات.. من هنا كسب أردوغان عداء معظم الدول الأوروبية خاصة أعضاء حلف الناتو بقراره بالتدخل في الشأن الليبي.
ولقد جاء تأكيد السيد الرئيس بأن خط سرت والجفرة هو خط أحمر لأن ذلك الخط هو الذي تسعي الدولة التركية للوصول إليه للاستيلاء علي الهلال النفطي الليبي وبذلك تستولي علي ثروات الشعب الليبي حيث يعمل أردوغان حالياً علي استنزاف ونهب وسلب الثروات الليبية لدعم الاقتصاد التركي، كما يسعي أردوغان إلي إنشاء قاعدة جوية عسكرية تركية في مطار الواطية وكذلك قاعدة عسكرية بحرية تركية في ميناء مصراته، وبذلك تكتمل حلقة الاستيلاء العسكري والاقتصادي علي ليبيا الذي بما يمثل أكبر تهديد لأمن مصر القومي، بالإضافة إلى أردوغان في حصول تركيا علي نصيب أكبر في عملية إعادة الإعمار في ليبيا التي سوف تتكلف مليارات الدولارات، وهو الصراع المستقبلي علي الأراضي الليبية ليس من تركيا فقط ولكن من باقي الدول الكبرى وعلي رأسها دول جنوب أوروبا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تكتمل الحلقة التركية لاستعادة مجد الإمبراطورية العثمانية بعودتها مرة أخري إلي أرض ليبيا وكل ذلك يمثل تهديداً للأمن القومي المصري، ومن ثم جاء خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي من أرض صحراء المنطقة الغربية العسكرية ليعلن أن الأمن القومي الليبي هو جزء من الأمن القومي المصري والعربي وأن قواتنا المسلحة قادرة بإذن الله علي تحقيق أمن مصر في كل الاتجاهات الاستراتيجية.
725