مقالات رأي

زنزانة كورونا

بقلم د .شيرين الجيار

في ظلام المرض تري الامور بطريقة لم تعهدها…يصبح العمل متعة تتوق لها النفس..واجتماع العائلة امنية ولقاء الأحبة والأصحاب حلم ..هكذا شعرت في تجربة مرضي المريرة والتي تعرضت لها في بدايات الجائحة انا وزوجي ا.د هشام الساكت وكيل كلية طب قصر العيني واستاذ جراحة الأطفال والتجميل وسادس شهيد كورونا من الأطباء والأطقم الطبية فقد كنا علي خط الدفاع الأول لمواجهة الجائحة…كنت أعمل حينها كمدير وحدة الطوارئ بمستشفي قصر العيني التعليمي الجديد (الفرنساوي) نستقبل المرضي من كل مكان علي مدار اليوم بخطط وتوجيهات متغيرة ومتجددة يوميا من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة وذلك في مواجهة ذلك العدوالجديد والذي لا نعلم عنه الا القليل..وكان زوجي ا.د هشام الساكت يجوب البلاد بحكم عمله(وكيل كلية طب لشؤون المجتمع وخدمة البيئة)شرقا وغربا لعمل قوافل تقدم الخدمة الطبية والتوعوية في اطراف مصر المحروسة، ويشارك في لجنة لوضع خطة المستشفيات الجامعية لمواجهة ذلك المرض اللعين وأخذ الأجراءات الأحترازية للحد منه، وبالرغم من أخذ كل الأحتياطات والقيام بالعزل في منزلنا عن أولادنا وعن بعضنا البعض لشعورنا بخطورة ما نحن بصدده ..سقطنا أنا وهو في نفس الوقت فريسة لذلك المجهول وقدر الله أن نحجز في نفس المكان لمدة ١٦ يوم هو في الرعاية علي جهاز تنفس صناعي وانا في غرفة عزلي لأعيش لحظات الخوف والألم والترجي للخلاص مما نحن فيه من خلال نافذة غرفتي ذلك الملاذ الوحيد للهواء والتنفس ورؤية السعة في سماء بلا حدود…وفي حالة التأمل للحياة أكتشفت ان كورونا رسالة من الله وأنها حالة للتفكر، تذكرنا وتعلمنا ان مواجهة العدو لا يمكن ان تعتمد علي فرد واحد وانما علي الاحساس بالمسؤولية بداخل كل فرد…ففي الوقت الذي يتكاسل فيه البعض عن أخذ الاحتياطات الواجبة من لبس الماسك الواقي او التباعد الاجتماعي او غسل اليدين وتعقيم ما يجب ان يعقم ..او بتقاعص البعض عن الوقاية بحضور الحفلات او الأجتماعيات والتواجد في اماكن مغلقة بدون تهوية جيدة او مبرر، يدفع الأطقم الطبية ثمنا لذلك ولا يدفعه الا من آثر واجبه علي حياته..يفقدون الغالي من الاحبة ويحرمون من حياتهم العائلية وييتم ابناءهم وترمل زوجاتهم لأنهم قاموا بواجبهم وبقوا في أماكنهم يخدمون المرضى ويواجهون الجائحة بمفردهم وفي وقت احتمي فيه الكثير ببيوتهم خوف الموت والمرض…عملوا في ظروف وتحديات صعبة في داخل اماكن عملهم…وحينها تذكرت ذلك الجندي الذي يقف علي حدود الوطن يؤثر واجبه وأرضه ووطنه علي حياته والتي يدفعها ثمنا في بعض الأحيان فداء للغير ولولا هؤلاء المضحين لم تجد فرصتك للحياة.
خرجت من المستشفي وقد خطف الموت من زوجى العمر ومني الحياة ، لتكون هذه اللحظة نقطة تحول في حياتي فبالرغم من الم الفقد ألا انني احسست برغبة شديدة لاحتضان المرضى وطمأنتهم والعمل علي نشر التوعية الفكرية والصحية في كل مكان واكمال مسيرة زوجي أحد الفرسان النبلاء لهذا العصر ، فبالتعاون نستطيع الحفاظ علي مجتمعنا وأنفسنا اما بالأنانية وقصور الفكر سيدفع الثمن الجميع …لا تنسي ان هذا الفيروس متحور يغير من شكل اعراضه فقد ظهر علينا في الموجة الثانية والتي اشتدت بدخول الشتاء وتغيير الفصول بصور مختلفة مثل اصابة الجهاز الهضمي ويظهر باسهال شديد وقئ مستمر وقد يصيب الجهاز العصبي ويؤدى الي الصداع الشديد وفي بعض الحالات الحادة يفقد المريض القدرة علي الحركة والكلام او يصاب بالتوهان والهذيان خاصة في الأطفال او كبار السن …كما يصاب الأطفال باعراض شديدة في السن الأقل من سنة مما قد يودي بحياتهم…اما في عمر ما فوق السنة قد يظهر بعض الاعراض الغير مألوفة منها طفح جلدي في شكل بثور مملوءة بسائل مع تورم لاصابع القدمين وقد يستمر العرض لستة اسابيع بدون ظهور اي اعراض اخري..او تساقط الشعربصورة مبالغ فيها او حازوقة (الزغطة) وذلك لا يمنع من تواجد نفس الاعراض العامة للموجة الاولي من فقد لحاسة الشم والتذوق وارتفاع في الحرارة وكحة جافة واحساس بالارهاق والالام الشديدة بالجسم واحتقان الحلق وصعوبة التنفس مما يؤدي الي التهاب رئوي و فشل تنفسي .
تذكروا ان في كل محنة منحة.. ومنحة هذه الجائحة هي الرجوع والتفكر في نعم الله علينا والتي نتعامل معها كمسلمات ونفقد معناها ومتعتها في بعض الاحيان ،وفي التعلم ان الامل للتغيير يكمن في المسؤولية الموكلة لكل فرد لانقاذ المجتمع وبناء الوطن…
ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم ..والدليل علي ذلك تلك الانشاءات العظيمة والتطوير المستمر في مجالات عدة من صناعة وتعدين.. لزراعة واستغلال للثروة السمكية.. لمشاريع كهرباء وتطوير للطاقة ووسائل المواصلات المختلفة.. لترسيخ سبل الامان والتأمين لحدود الوطن كل هذه الانجازات تنفذ وتشيد في ظروف من التحديات الداخلية والخارجية غير مسبوقة منها مؤامرات وارهاب وجائحة ولكن الله من علينا برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فوعدوا واوفوا…شكرا للانسان القدوة سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي …شكرا لكل من يعمل لاجل هذه الارض المباركة وشكرا للاطقم الطبية التي تعمل في ظل موجة الكورونا الثانية واشهد الله اننا علي العهد والوعد ما حيينا ….حفظ الله الارض والوطن…حفظ الله مصرنا الغالية حتي نهاية الزمان …