تقارير

التأمين ضد أخطار الحريق …. أداة لتعويض الأضرار وحماية الأصول

احمد دياب

أصبح عقد التأمين ضد الحريق في الوقت الراهن أحد العقود الحيوية والضرورية التي يلجأ إليها الأشخاص و المؤسسات لمواجهة مخاطر الحريق. فقد أدى تطور الحياة الاقتصادية وتشعبها، وظهور التكنولوجيا الحديثة في الصناعات، وزيادة حجم التجارة وتنوعها، وتطور وسائل النقل، إلى تزايد أهمية هذا النوع من التأمين. كما ساهم ظهور المنشآت الصناعية والتجارية الكبرى ذات القيم المالية المرتفعة في تصاعد المخاوف من الخسائر الجسيمة التي قد تنتج عن نشوب الحرائق، وهي خسائر لا تقتصر آثارها على مالك الشيء محل التأمين – أي المؤمن له – بل قد تمتد لتؤثر في الاقتصاد القومي للدولة بأكملها.

ولمواجهة هذا الخطر، سعى الإنسان إلى إيجاد وسيلة فعّالة تحفظ مصالحه وتضمن تعويضه عن الأضرار الناتجة عن الحرائق. ومن هنا نشأت فكرة التأمين ضد الحريق منذ وقت بعيد، وتطورت تدريجيًا حتى بلغت مستويات عالية من التقدم والتعقيد، بفضل فاعليتها في تعويض المتضررين. وقد أدى ذلك إلى زيادة الإقبال على شركات التأمين وتوسع أنشطتها في هذا المجال.
وتعمل شركات التأمين على أداء دورها في تعويض المؤمن لهم حال تعرضهم للضرر من الحرائق. ويتم ذلك وفقًا لقواعد إحصائية دقيقة وبيانات مدروسة، ومن خلال إجراءات متطورة تهدف إلى ضمان العدالة والكفاءة في تقديم التعويضات.

نشأة تأمين الحريق:

يُعد تأمين الحريق من أقدم أنواع التأمينات التي عرفها الإنسان، وقد نشأ استجابةً لحاجة ملحّة إلى وسيلة تُمكّنه من مواجهة الخسائر الفادحة التي قد تنجم عن نشوب الحرائق، خاصة في ظل تطور العمران والتجارة وتوسع النشاط الصناعي. وتعود بدايات هذا النوع من التأمين إلى أوروبا في أعقاب الحريق العظيم الذي اجتاح مدينة لندن عام 1666، حيث أتى على آلاف المنازل والمحال التجارية، وكشف عن حجم الكارثة التي يمكن أن يسببها الحريق في غياب آلية لتعويض المتضررين. وقد شكّل هذا الحدث نقطة تحول رئيسية أدت إلى تأسيس أولى شركات تأمين الحريق، ومن ثم انتشرت الفكرة تدريجيًا في مختلف الدول.

ومع مرور الزمن وتزايد تعقيد النشاط الاقتصادي وارتفاع قيمة الممتلكات، تطورت نظم تأمين الحريق وأصبحت أكثر تخصصًا وتنظيمًا، مدعومة بقواعد فنية وإحصائية تُسهم في تقييم الأخطار وتحديد الأقساط والتعويضات. وأصبح تأمين الحريق يشكّل دعامة أساسية لحماية الأفراد والمؤسسات من الآثار المدمرة للحرائق، كما بات أداة مهمة لدعم الاستقرار الاقتصادي
والتنموي في المجتمعات الحديثة.

ما الذي يجعل الصيف موسما للحرائق الكهربائية؟

يعد فصل الصيف بيئة محفزة لوقوع الماس الكهربائي لعدة أسباب أولها زيادة الأحمال على الشبكات، حيث تزداد معدلات تشغيل أجهزة التكييف والمبردات مع ارتفاع درجات الحرارة مما يؤدي إلى ضغط زائد على التوصيلات.
ويعني ذلك استهلاك المبنى لكميات كبيرة من الطاقة الكهربائية لتشغيل أجهزة التكييف الصناعية على مدار الساعة، لا سيما خلال شهور الصيف. ويحتم لأن يؤدي الضغط الحراري المستمر واستهلاك الطاقة المكثف إلى رفع درجة حرارة التوصيلات الكهربائية داخل المبنى، بما يُمهد الطريق لحدوث ماس كهربائي أو شرارة تؤدي إلى اندلاع الحريق.
وتُعتبر الحرائق من أهم المخاطر التي تهدد المباني السكنية والتجارية. حيث أوضحت أبحاث معهد IBHS  الأميركي إلى أن أكثر من 4.8 مليون منزل في الولايات المتحدة يتعرّض لخطر الحرائق، بما في ذلك 2 مليون منزل في كاليفورنيا فقط، مما تسبب بخسائر قدرها 5.1 مليار دولار خلال العقد الماضي. كما أوضح تقرير مشترك أن إضافة تصاميم مقاومة للحريق، مثل الأغطية غير القابلة للاشتعال، يقلل من احتمالات الخسائر المادية بشكل ملحوظ .
تأثير الحرارة المرتفعة علي تعويضات التأمين

تُشكّل الحرارة الشديدة خطرًا متناميًا على قطاع التأمين، بفروعه المختلفة وفقاً للشكل البياني التالي:

التأثير على تأمين الممتلكات:

تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى أضرار مباشرة وغير مباشرة على تأمين الممتلكات، ما قد يتسبب في:

• زيادة احتمالية انقطاع التيار الكهربائي بسبب الضغط الزائد على الشبكات.
• زيادة مخاطر اندلاع حرائق الغابات نتيجة الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، مما يتسبب في أضرار مباشرة للمباني والمرافق.
• احتمالية تعرض البنية التحتية للنقل والمياه والطاقة لخطر التلف أو الانقطاع، مما يؤدي إلى ارتفاع المطالبات التأمينية في قطاعي الممتلكات و أنواع التأمين الخاصة.
• تلف المباني والمنشآت، نتيجة تمدد المواد أو تآكلها تحت الضغط الحراري.
• اضطرابات تشغيلية في المصانع ومراكز البيانات أو شبكات النقل والطاقة، وهو ما ينعكس في شكل خسائر تشغيلية ومطالبات تأمينية ضمن وثائق تأمين الممتلكات.
وعندما تتسبب الحرارة المرتفعة في اندلاع حرائق غابات أو حرائق صناعية، فإن احتمالية تدمير الممتلكات ترتفع بشكل كبير، وهو ما يؤدي إلى مطالبات ضخمة في تأمينات الممتلكات التجارية والسكنية.
وفي التأمين الزراعي تؤدي موجات الحرارة الشديدة إلى أضرار مباشرة على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، حيث تتسبب في:
• ذبول المحاصيل وتلفها بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
• انخفاض إنتاجية الأراضي وتراجع جودة المحاصيل، مما يهدد الأمن الغذائي ويدفع المزارعين إلى تقديم مطالبات تأمينية لتغطية الخسائر.
• نفوق الماشية أو إصابتها بأمراض ناتجة عن الإجهاد الحراري أو نقص المياه، مما يؤدي إلى زيادة المطالبات في تأمين الثروة الحيوانية.
ومع تكرار هذه الظواهر المناخية الحادة، يُتوقع أن تسجل شركات التأمين ارتفاعًا ملحوظًا في مطالبات التأمين الزراعي، وهو ما يتطلب تطوير أدوات تقييم جديدة للمخاطر المناخية ومرونة أكبر في تصميم وثائق التأمين لتواكب هذا التحوّل البيئي.
بالإضافة إلى ذلك، قد تظهر مطالبات ضمن التأمينات الهندسية، خصوصًا عندما يُكتشف أن تصميم المباني أو الآلات غير ملائم لتحمّل درجات الحرارة الشديدة. في هذه الحالة، يُسجل فشل في الأداء أو تلف في المعدات بسبب غياب المعايير الحرارية في التصميم أو التنفيذ.

أهمية التأمين على المباني والمنشآت ضد الحريق

قد تؤدي الحرائق والكوارث غير المتوقعة إلى خسائر فادحة لا يمكن تعويضها بدون وجود تغطية تأمينية فعّالة.
فوائد التأمين على المباني:

• تعويض كامل أو جزئي عن تكلفة إصلاح أو إعادة بناء العقار.
• تغطية الأضرار التي تلحق بالمحتويات (معدات، أثاث، أجهزة إلكترونية).
• توفير بديل مؤقت في حالات تعطل النشاط التجاري.
• حماية من الخسائر الناتجة عن توقف الخدمات أو الدخل.
• دعم استقرار المنشأة واستمرارها في تقديم خدماتها بعد الحادث.

أنواع التأمين المناسبة

وفقًا للمعايير العالمية، توجد عدة أنواع من التأمين التي تغطي مثل هذه المخاطر، منها:

1. التأمين ضد الحريق والأخطار الإضافية: يغطي الحريق والانفجارات والماس الكهربائي وغيرها.
هذا النوع الأساسي ضروري لأي مبنى. يتضمن عادة تغطية لأضرار المبنى الناتجة عن الحريق، الانفجار، والماس الكهربائي، والتي تعد من أهم المخاطر. وفقًا لمجموعة التأمينات، يشمل هذا النوع جميع مصادر الخطر المحتملة، بما فيها الصواعق والمواد المتفجرة .
حسب التقرير الصادر عن إحدى كبرى شركات التأمين العالمي المستند إلى تحليل أكثر من 530,000 مطالبة خلال الفترة من 2017 إلى 2021، كان “الحريق والانفجار” هو الخطر الأكبر، حيث شكل 21% من إجمالي قيمة المطالبات التأمينية المقدمة لشركات التأمين.
2. تأمين خسارة الأرباح الناتجة عن أو بسبب توقف كلي أو جزئي للنشاط
بخلاف التأمين على الممتلكات، يركز هذا النوع على الأثر الاقتصادي الناتج عن توقف النشاط. فهو يشمل التدفقات النقدية المفقودة، وكلفة دفع الرواتب، والدفعات الثابتة خلال فترة توقف العمل أو خلال فترة إعادة التشغيل .
3. تأمين المبنى والمحتويات:
و هو جانب يغفل عنه البعض، لكنه بالغ الأهمية، إذ يغطي ما هو قائم داخل المبنى، من أثاث وأجهزة تقنية وحتى المستندات. وهذا يوفر حماية مالية شاملة في حال وقوع الحريق، بحيث لا تقتصر الحماية على الهيكل فقط .
بعض التجارب العالمية
في دول مثل الولايات المتحدة وأستراليا، أثبتت التجارب أن وجود تأمين متكامل للمباني والبنية التحتية الرقمية ساهم في:
• تقليص فترة التوقف بعد الحوادث.
• تسريع عملية صرف التعويضات وإعادة التأهيل.
• دعم الاقتصاد المحلي من خلال سرعة استعادة النشاط.
كما أن برامج “مقاومة الحريق” Incentives – Wildfire Prepared Home التي تم تطبيقها في كاليفورنيا، قد خفّضت بشكل ملحوظ حجم الخسائر عند تكرار الحوادث، وذلك بفضل تكامل التأمين مع تدابير السلامة. و يتلخص البرنامج في:
• توفير معايير علمية واضحة لتحصين المنازل ضد مخاطر الحريق.
• يشمل حوافز تأمينية؛ مثل خصومات أقساط التأمين لمن يطبقون إجراءات الوقاية (أسقف مقاومة للحريق، مساحة خالية حول المنزل، فتحات مقاومة للشرر، إلخ).
• التعاون بين معهد IBHS الأمريكي وشركات التأمين والجهات الحكومية المحلية.
الفجوة التأمينية عالميًا
في عام 2024، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر اقتصادية هائلة بلغت 320 مليار دولار عالميًا، إلا أن التعويضات التأمينية غطت فقط نحو 140 مليار دولار منها، أي ما يعادل 44٪ فقط من حجم الخسائر. هذا يعني أن 56٪ من الأضرار بقيت غير مغطاة تامينياً، وهو ما يعكس فجوة ضخمة في الحماية المالية تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات والاقتصادات في الدول الضعيفة التأمين.
ووفقًا لتقرير Munich Re يناير 2025:
• بلغ إجمالي الخسائر: 320 مليار دولار
• بلغت إجمالي مبالغ التأمين: 140 مليار دولار
• بلغت نسبة التأمين 44% من مجموع الخسائر
و رغم أن هذه النسبة أعلى من متوسط السنوات الثلاثين الماضية، لكن سرعان ما كشفت عن هشاشة البنية التأمينية في مواجهة الكوارث المتزايدة .
اتجاهات سوق التأمين العالمي ضد الحريق :
يرجع نمو السوق بشكل رئيسي إلى تزايد عوامل عدم اليقين، مثل تزايد حوادث الحريق. إضافةً إلى ذلك، يُمثل الوعي المتزايد بالمزايا العديدة التي تُقدمها وثيقة التأمين ضد الحريق عاملاً رئيسياً آخر مُحفزاً للنمو. علاوةً على ذلك، تُقدم الشركات الرئيسية وثائق تأمين جديدة بتغطية شاملة وأقساط معقولة لتوسيع قاعدة عملائها واكتساب ميزة تنافسية، مما يُسهم أيضاً في نمو السوق. إضافةً إلى ذلك، تُقدم شركات التأمين في العديد من الدول وثائق تأمين مُيسّرة ومعايير سلامة صارمة لزيادة الوعي بالمزايا المُتنوعة التي يُقدمها التأمين ضد الحريق.
ومن المتوقع أن تُعزز سهولة تسوية المطالبات، وارتفاع الدخل المتاح، والعديد من الابتكارات في المنتجات نمو السوق. و تتوقع مجموعة IMARC أن تصل القيمة السوقية إلى 139.3 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6.2% خلال الفترة (2025-2033)

رأي الاتحاد:

يُعد التأمين ضد أخطار الحريق من أبرز أدوات الحماية المالية التي تساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، من خلال دوره الحيوي في تعويض الأفراد والشركات عن الأضرار والخسائر التي قد تلحق بهم نتيجة هذا الخطر.
ويرى الاتحاد أن تعزيز الوعي التأميني لدى المواطنين بأنواع التغطيات التأمينية التي تقدمها شركات التأمين ضد الحريق، وتحديث وثائق التأمين لتواكب المستجدات الحديثة في المخاطر، تعد من الركائز الأساسية لتوسيع قاعدة المستفيدين من التأمين ضد الحريق، خاصةً في ظل تزايد الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية، وسوء استخدام مصادر الطاقة، والتوسع العمراني غير المنضبط.

كما يدعو الاتحاد إلى:

• دعم خطط التحول الرقمي في إصدار وثائق الحريق لتسهيل الوصول إلى التغطيات التأمينية، خاصةً في المناطق النائية.
• التعاون مع الجهات الحكومية والرقابية لنشر ثقافة السلامة الوقائية، وتطبيق معايير الحماية المدنية للحد من مسببات الحريق.
• تشجيع منتجات التأمين متناهي الصغر لتغطية محدودي الدخل وأصحاب المشاريع الصغيرة ضد هذه الأخطار.
ويؤكد الاتحاد التزامه بمواصلة تطوير السوق التأميني المصري، وتعزيز قدرته على التعامل الفعّال مع أخطار الحريق بما يسهم في حماية الأصول والثروات، وتحقيق الأمن الاقتصادي للمواطنين والدولة.