إطلالة شعت نافذة معلقة بين السماء والأرض تروي حكاية الضباب والجمال في سلطنة عمان

احمد دياب
في حضن جبال ظفار المكسوة بالخُضرة، وعلى ارتفاع شاهق يتجاوز 1400 متر عن سطح البحر، تتربع “إطلالة شعت” كأحد أبرز المعالم الطبيعية في سلطنة عُمان، لتمنح زوّارها تجربة لا تُنسى، تمتزج فيها رهبة العلو بجمال الطبيعة وسحر الضباب الذي يلف الجبال والوديان كستارٍ سماوي.
شعت، التي تبعد قرابة 80 كيلومترًا عن مدينة صلالة، أصبحت في السنوات الأخيرة من الوجهات المفضلة لزوّار موسم خريف ظفار، ذلك الفصل الاستثنائي الذي يحوّل الجنوب العماني إلى جنة خضراء تلامس السحاب.
رحلة إلى الغيم
الطريق إلى إطلالة شعت هو بحد ذاته جزء من المغامرة، يبدأ من صلالة ويمتد عبر مسار جبلي يمر بالعديد من القرى والمناطق ذات الطبيعة البكر، حيث تمتزج المشاهد الخلابة بروائح النباتات العطرية التي تنتشر على جانبي الطريق، مثل اللبان والريحان.
كلما اقتربت السيارة من شعت، تزداد الكثافة الضبابية، ويبدأ الضباب الكثيف في رسم لوحاتٍ ضوئية ساحرة، تحجب بعض المشاهد وتكشف أخرى، بينما الطرق المعبدة حديثًا تسهّل الوصول، لكنها تتطلب حذرًا شديدًا عند القيادة، خاصة خلال ساعات الصباح الباكر أو في ذروة موسم الخريف حين يكون مدى الرؤية محدودًا.
شرفة معلقة بين الأرض والسماء
عند الوصول إلى الشرفة الرئيسية في “شعت”، تقف على حافة صخرية تُمكِّنك من مشاهدة مشهد بانورامي مذهل لوادي رخيوت العميق والساحل الممتد على مرمى البصر، حين يسمح الضباب بذلك.. أما في الأيام الملبدة، فتبدو وكأنك تقف على أطراف السحاب، تحيط بك من كل جانب، في مشهد يخطف الأنفاس ويثير في النفس رهبةً وسكينة.
يقول أحد السائحين من دولة الإمارات: “إن إطلالة شعت واحدة من أكثر النقاط التي تمنح صورًا لا تتكرر، يكفي أن تقف هناك وتنتظر تغيّر حركة الضباب والضوء، وستحصل على مشاهد أقرب للخيال”.
الطبيعة والإنسان.. تناغم لا يُنسى
منطقة شعت ليست مجرد نقطة مشاهدة طبيعية، بل تحتضن أيضًا قرى جبلية صغيرة تعيش في تناغم مع الطبيعة، حيث تنتشر البيوت التقليدية المبنية بالحجر والطين، ويعتمد السكان على الرعي وزراعة بعض المحاصيل البسيطة، ويُعرف أهالي شعت بكرمهم وبساطتهم.
وخلال موسم الخريف، تتزين الطرق المؤدية إلى شعت ببساط أخضر ونباتات موسمية تنمو بفعل الرذاذ المستمر، وهو ما يجعل الرحلة تجربة بصرية وروحية في آنٍ واحد.
وتُعدّ إطلالة شعت وجهة مثالية لهواة التصوير والمغامرين والباحثين عن لحظات تأمل في قلب الطبيعة، وغالبًا ما يقيم الزوّار جلسات قصيرة هناك، يستمتعون فيها بصوت الريح وهدير الموج المتسلل من بعيد، وتوفّر بعض الجهات السياحية رحلات جماعية منظمة إلى الموقع، خاصة في فترات الذروة.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت الجهات المعنية في سلطنة عمان تطوير بعض الخدمات الأساسية في الموقع، كإنشاء مواقف للسيارات ومسارات للمشاة ونقاط للسلامة، حرصًا على راحة وأمان الزوار، مع المحافظة على الطابع الطبيعي للمكان.
دعوة مفتوحة للدهشة
زيارة إطلالة شعت ليست مجرد نزهة جبلية، بل تجربة روحية وجمالية، تجعل الزائر يُدرك أن للطبيعة قُدرة على الإلهام والدهشة.. وبينما ينسدل الضباب على الجبال، وتخترق أشعة الشمس غلالته الخفيفة، يشعر المرء وكأنه في عالم آخر، خارج حدود الوقت والضجيج.
يقول أحد الزوار المصريين الذين قصدوا الإطلالة هذا الموسم: “لم أرَ في حياتي مشهدًا يجمع بين الجمال والرهبة بهذا الشكل.. ظننت أنني في سويسرا أو جبال الألب، لكني كنت في ظفار.. إنها مفاجأة مذهلة بكل المقاييس”.
وبينما يستعد الزائر لمغادرة المكان، يبقى في قلبه شيء من الحنين إلى الضباب، إلى الشرفة العالية، وإلى مشهد الغيم وهو يعانق الجبال.. هناك في شعت، حيث تتوقف الكلمات وتبدأ الحكاية.