منوعات

الخبير الاكتواري واهميته فى صناعة التأمين

 

احمد دياب 

تمثل صناعة التأمين ركيزة أساسية في استقرار الاقتصاديات الحديثة، حيث تعمل على إدارة المخاطر وتحويلها، وتوفير الحماية المالية للأفراد والمؤسسات على حد سواء. إلا أن هذه الصناعة تقوم على أساس علمي دقيق يتعلق بقياس التكاليف المستقبلية غير المؤكدة، وهو ما يُعرف باسم “الخطر”. وهنا يبرز دور الخبير الاكتواري كحجر الزاوية في بناء هذه الصناعة وضمان استدامتها.

الخبير الاكتواري هو المحترف الذي يطبق الأساليب الرياضية والإحصائية لتقييم المخاطر في مجالات التأمين والتمويل والتقاعد. فهو الجسر بين النظرية الرياضية المجردة والتطبيق العملي في عالم الأعمال المحفوف بالمخاطر. ولا يقتصر دور الاكتواري على مجرد حساب الأقساط والاحتياطيات، بل يمتد إلى التخطيط الاستراتيجي، وإدارة الاستثمارات، والامتثال للضوابط الرقابية ، وحتى تطوير منتجات جديدة تلبي احتياجات السوق المتغيرة.

تعريف العلوم الاكتوارية :

العلوم الاكتوارية (Actuarial Science) هي فرع من الرياضيات التطبيقية يهتم بتقييم المخاطر المالية والاقتصادية في ظل ظروف عدم اليقين، باستخدام النماذج الرياضية والإحصائية . ويعد الاكتواري (Actuary) هو المختص الذي يقوم بتحليل البيانات وتقييم الاحتمالات المتعلقة بالوفاة أو الحوادث أو الخسائر لتحديد الأسعار المناسبة للتأمين وإعداد الاحتياطيات المالية
العلاقة بين العلوم الاكتوارية والتأمين:

ترتبط العلوم الاكتوارية بصناعة التأمين ارتباطًا جوهريًا، إذ تشكل الركيزة الأساسية في تسعير المنتجات التأمينية وتحديد شروط التغطية وحساب الاحتياطيات التي يجب أن تحتفظ بها شركات التأمين. كما تلعب دورًا محوريًا في إدارة المخاطر وتحليل البيانات التاريخية لتوقع الأحداث المستقبلية حيث يستخدم الاكتواريون أدوات تحليل معقدة لتحديد القيمة الحقيقية للتعويضات المحتملة، مما يساعد شركات التأمين على اتخاذ قرارات مالية سليمة.

دور الخبير الاكتواري في التأمين

الخبراء الاكتواريون هم خبراء متخصصون يطبقون الرياضيات على المشاكل المالية. فهم يُقيّمون الآثار المالية للأحداث الطارئة، أي الأحداث غير المؤكدة الحدوث. وغالبًا ما يشاركون في إدارة المخاطر التي قد تنشأ عن أحداث طارئة غير مرغوب فيها. ويُقيّم الخبراء الاكتواريون احتمالية وقوع أحداث مستقبلية، كما يصممون سبلًا للحد من الأثر المالي للأحداث غير المرغوب فيها التي تقع بالفعل.

ولأداء عملهم، يجب أن يتمتع الخبراء الاكتواريون بمستوى عالٍ من المعرفة التقنية. على سبيل المثال، عليهم فهم طبيعة التأمين، والمخاطر الكامنة في أنواع الأصول المختلفة، وطرق استخدام النماذج الإحصائية، والقيود القانونية والتنظيمية التي تنطبق على الأعمال. كما يجب أن يتمتعوا بحس تجاري جيد، ومهارات حل المشكلات، والقدرة على التواصل الفعال مع الآخرين. وغالبًا ما يؤثر عملهم على العديد من أصحاب المصلحة، لذا يجب أن يكونوا قادرين على الموازنة بين المصالح المختلفة والالتزام بمعايير أخلاقية عالية في القيام بذلك.

وعلى الرغم من أن مهنة الخبراء الاكتواريين موجودة منذ سنوات عديدة، إلا أنها ليست مهنة واسعة الانتشار، وبالتالي فهي غير معروفة جيدًا لدى عامة الناس. في الواقع، هناك العديد من الدول التي لا يوجد فيها خبراء اكتواريون. عمل الخبراء الاكتواريون تقليديًا بشكل رئيسي في قطاعي التأمين والمعاشات التقاعدية، وخاصةً في الدول التي تتمتع فيها هذه القطاعات بسمعة راسخة.

في قطاع التأمين، يمكن للخبراء الاكتواريين العمل في جميع أنواع التأمين: التأمين على الحياة وتأمين الممتلكات، والتأمين المباشر أو إعادة التأمين. وعلى الرغم من أن الخبراء الاكتواريين غالبًا ما يعملون لدى شركات التأمين، إلا أن العديد منهم يعملون لدى شركات استشارية ويقدمون خدماتهم لأكثر من شركة تأمين واحدة. يعمل بعض خبراء التأمين الاكتواريين لدى هيئات إشرافية، إما كموظفين أو مستشارين.

نشأة وتطور العلوم الاكتوارية:

تعود جذور العلوم الاكتوارية إلى القرن السابع عشر، عندما بدأ العلماء بتطبيق الرياضيات في تقييم توقعات الحياة وحساب المعاشات. وقد كان “جون جراونت” في بريطانيا من أوائل من درسوا جداول الحياة بناءً على بيانات الوفاة في لندن، وتبعه “إدموند هالي” بجداول أكثر دقة.

وفي القرن التاسع عشر، ظهرت أولى الجمعيات الاكتوارية في أوروبا، مثل المعهد الاكتواري البريطاني عام 1848. ومع تطور الحوسبة الحديثة، ازدادت قدرة الاكتواريين على استخدام نماذج معقدة للتنبؤات والتحليل، مما مهد لتطور أكبر في علم التأمين.

الأهمية النظرية والعلمية للعلوم الاكتوارية

ترتكز العلوم الاكتوارية على دعامتين رئيسيتين: نظرية الاحتمالات وعلم السكان. يستخدم الاكتواري هذه الأدوات لبناء نماذج رياضية معقدة لمحاكاة المستقبل وتقدير التكلفة المالية للمخاطر.

إدارة عدم اليقين:

جوهر عمل الاكتواري هو تحويل عدم اليقين (Uncertainty) إلى خطر (Risk) يمكن قياسه وإدارته. فبينما “عدم اليقين” يعني الجهل التام بالنتيجة المستقبلية، فإن “الخطر” يعني معرفة التوزيع الاحتمالي للنتائج المحتملة. والاكتواري هو من يحدد هذا التوزيع الاحتمالي.

القيمة الزمنية للنقود :تستخدم الحسابات الاكتوارية مفهوم “القيمة الحالية” لتدفقات النقود المستقبلية، وهو أمر حاسم في تقييم الالتزامات طويلة الأجل مثل معاشات التقاعد أو احتياطيات تأمينات الحياة.

قانون الأعداد الكبيرة :

هذا المبدأ الإحصائي هو الذي يجعل عمل شركات التأمين ممكنًا. فهو ينص على أنه كلما زاد عدد الوحدات المعرضة لنفس الخطر (كعدد كبير من السيارات المؤمن عليها)، أصبحت الخسائر الفعلية أقرب إلى الخسائر المتوقعة نظريًا. ودور الاكتواري هو تحديد حجم المحفظة الكافي لضمان تطبيق هذا القانون بفعالية.

طرق حساب الأقساط والاحتياطيات الفنية:
تسعير التأمين على الحياة

يتم حساب القسط في التأمين على الحياة بناءً على جداول الحياة، والتي توضح احتمال الوفاة أو البقاء لكل فئة عمرية. ويُحسب القسط الصافي باستخدام القيمة الحالية لمنافع الوثيقة، ويضاف إليه هامش للتكاليف والأرباح لتحديد القسط الإجمالي.

تسعير التأمينات العامة

في التأمينات العامة مثل تأمين السيارات أو الممتلكات، يعتمد التسعير على تحليل بيانات المطالبات السابقة، وتوزيع الخسائر، وتقدير التكرار والشدة. يتم استخدام تقنيات مثل:
التسعير بناءً على الخبرة
التسعير بناءً على النماذج التنبؤية
حساب الاحتياطيات
تشمل الاحتياطيات الفنية عدة أنواع، مثل:
الاحتياطي الحسابي : يمثل القيمة الحالية للالتزامات المستقبلية ناقصًا الأقساط المستقبلية.
احتياطي المطالبات المبلغة وغير المسددة (RBNS).
احتياطي المطالبات المتأخرة (IBNR).
تُحسب هذه الاحتياطيات باستخدام تقنيات إحصائية مثل طريقة سلسلة التطور (Chain-Ladder)

دور الاكتواري في تعزيز استقرار شركات التأمين:

ضمان الكفاية المالية والاحتياطيات
يساعد الاكتواريون في تحديد مقدار الاحتياطيات التي يجب أن تحتفظ بها الشركة لمواجهة التزاماتها المستقبلية. ويستخدمون تقنيات تحليل احتمالي معقدة مثل:
نماذج التوزيع المركب (Compound Distribution Models).
نماذج تطور المطالبات (Chain Ladder, Bornhuetter-Ferguson).
تساعد هذه النماذج في ضمان توافر السيولة لمواجهة المطالبات عند وقوعها، وبالتالي حماية الشركة من الانهيار المالي المفاجئ

اختبار الملاءة والقدرة على الوفاء

من خلال اختبارات التحمل (Stress Testing) وتحليل السيناريوهات، يقوم الاكتواري بمحاكاة أوضاع اقتصادية معاكسة أو خسائر كبيرة، واختبار قدرة الشركة على الصمود. هذه الإجراءات تعزز ثقة المساهمين و المنظمين في استقرار الشركة.
ضبط أسعار المنتجات بناءً على مستوى المخاطر
عدالة التسعير
تعزز العلوم الاكتوارية الاستقرار من خلال تسعير المنتجات التأمينية بعدالة، حيث يتم تحميل كل فئة من العملاء قسطًا يعكس مخاطرهم الحقيقية، مما يمنع تحميل الشركة أعباء مالية غير مبررة.

استراتيجيات التسعير التفاعلي

من خلال التسعير الديناميكي باستخدام الذكاء الاصطناعي، تستطيع الشركات تعديل الأسعار استجابة للمتغيرات السوقية وسلوك العملاء. هذه القدرة التنبؤية تمنح الشركات مرونة في التعامل مع المخاطر وتساعد في الحفاظ على الأرباح.
تعزيز الكفاءة في إدارة المطالبات:
تقدير تكاليف المطالبات بدقة
باستخدام نماذج تحليل التكرار والشدة، يمكن للاكتواري تقدير التكاليف المتوقعة للمطالبات وتحديد مدى الحاجة لاحتياطيات إضافية. وهذا يقلل من احتمالية نقص السيولة.

الحد من الاحتيال

يتم استخدام النماذج الاكتوارية لاكتشاف الأنماط غير المعتادة في المطالبات، مما يساعد في الكشف المبكر عن الاحتيال وتقليل الخسائر الناتجة عنه.
دعم التخطيط الاستراتيجي للشركة:
إعداد السيناريوهات المستقبلية
يساهم الاكتواري في رسم سيناريوهات متعددة تشمل عوامل مثل التغير الديموغرافي، المناخ الاقتصادي، وتطورات السوق، مما يُساعد على صياغة خطط بديلة.
تحليل التكاليف والعوائد
من خلال تحليل القيمة المتوقعة والربحية المستقبلية، يقدّم الاكتواري أدوات تساعد في اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة، ما يُقلل من تقلبات العائد ويُعزز الاستقرار.
التوافق مع الأطر التنظيمية

الالتزام بمعايير الملاءة

تعتمد الجهات التنظيمية على التقديرات الاكتوارية لتحديد مدى التزام الشركات بمعدلات رأس المال المطلوبة.
تطبيق معيار التقارير المالية (17 IFRS)
الاكتواريون هم حجر الزاوية في تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية رقم 17 الخاص بعقود التأمين، حيث يتمحور دورهم حول القياس الدقيق للمخاطر، وتحديد الإيرادات، وعمليات الإبلاغ المالي الجديدة التي تفرضها المعايير الجديدة. يتطلب هذا المعيار دمجاً معمقاً بين الأقسام الاكتوارية والمالية والتقنية، وإنشاء نماذج جديدة لمواجهة تعقيدات المعايير الجديدة، مما يستدعي تكييف الأدوات والعمليات الاكتوارية، وتطوير قدرات جديدة للتعاون بين الأقسام المختلفة. و تساعد التحليلات الاكتوارية في دعم اتخاذ القرار ومتطلبات العرض والإفصاح وفقاً للمعيار .
فيما يلي بعض المجالات التي تؤثر على شركات التأمين والتي ستتطلب حكمًا وتوثيقًا اكتواريًا للامتثال للمعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 17:

منهجية تعديل المخاطر
نهج معدل الخصم

تحليل الاحتياطيات الإجمالية والمُتنازل عنها بشكل منفصل، بحيث يُمثل صافي الاحتياطيات الفرق بينهما.
حجز مجموعات التأمين حسب تاريخ بدء سريان التأمين
دمج العقود حسب الطرف المقابل.
استبعاد العقود غير المربحة (المرهقة)
مراعاة وقت نشوء التزام التأمين
دور الاكتواري في تقييم استقرار المنتجات التأمينية الجديدة

تحليل الجدوى الاكتوارية

قبل إطلاق منتج جديد، يُجري الاكتواري دراسة جدوى تشمل تحليل السوق، التكاليف المحتملة، وتقدير المخاطر، لضمان أن يكون المنتج مربحًا ومستقرًا ماليًا.
مراقبة أداء المنتجات بعد الإطلاق
بعد دخول المنتج السوق، يقوم الاكتواري بمراقبة أدائه وتعديل الافتراضات الاكتوارية عند الحاجة، لضمان استمرارية الربحية وعدم تعريض الشركة لمخاطر مفاجئة.
دعم خطط إعادة التأمين لتعزيز الاستقرار
نمذجة سيناريوهات الخسائر الكبرى
يضع الاكتواري نماذج تفصيلية لحساب احتمالية الخسائر الفادحة الناتجة عن الكوارث أو المطالبات الكبرى. وتساعد هذه النماذج في تحديد ما إذا كانت الشركة بحاجة إلى إعادة تأمين إضافي.

تصميم استراتيجيات إعادة التأمين

يساهم الاكتواري في تحديد نوعية عقود إعادة التأمين (كمي أو نسبي)، بما يحقق التوازن بين تكلفة إعادة التأمين والحماية التي توفرها، وبالتالي ضمان استقرار الأرباح.
التنبؤ بالتغيرات الاقتصادية وأثرها على الشركة
تحليل تأثير التضخم
تُعد التقلبات في معدلات التضخم من أخطر العوامل التي تؤثر على شركات التأمين، نظرًا لأنها تؤدي إلى زيادة تكاليف المطالبات. ويستخدم الاكتواري نماذج رياضية لتقدير هذا التأثير والتحوط ضده.
تأثير أسعار الفائدة
نظرًا لاعتماد شركات التأمين على استثمارات طويلة الأجل، يقوم الاكتواري بتحليل أثر تغير أسعار الفائدة على الالتزامات المالية ومحافظ الاستثمار لتقليل أثر التقلبات.
بناء ثقافة اكتوارية داخل الشركة

تعزيز فهم المخاطر

يسهم الاكتواري في رفع وعي الإدارة والموظفين بمفاهيم المخاطر والتسعير والاحتياطيات، مما يؤدي إلى قرارات أكثر عقلانية وواقعية.
تحسين التعاون بين الإدارات
يؤدي تكامل العلوم الاكتوارية مع الإدارات الأخرى – مثل المالية، التسويق، والامتثال – إلى تحسين استجابة الشركة للتحديات وتحقيق استقرار مؤسسي أوسع.

الأهمية الاقتصادية والرقابية لدور الاكتواري

يتعدى دور الاكتواري حدود الشركة لينصب في صميم استقرار القطاع ككل والاقتصاد الوطني من خلال:
حماية حملة الوثائق: فضمان ملاءة شركات التأمين هو في الأساس حماية للمواطن العادي الذي يدفع قسط تأمينه آملاً في الحصول على التعويض عند وقوع الكارثة. والاكتواري هو حارس هذه الثقة.
دعم الاستقرار المالي: يمنع انهيار شركات التأمين، والتي تعتبر مؤسسات مالية كبرى تدير مدخرات ضخمة . فأي أزمة في هذا القطاع قد تنتقل إلى القطاع المصرفي والاقتصاد بأكمله (المخاطر النظامية)
دعم هيئات الرقابة: تحتاج هيئات الرقابة على التأمين إلى خبراء اكتواريين لمراجعة تقارير الملاءة للشركات، ووضع الأنظمة واللوائح الفنية (مثل معايير Solvency II أو نظيرتها المحلية)، ومراقبة أداء القطاع بشكل كلي.
تطور دور الاكتواري من الحسابات التقنية إلى الشريك الاستراتيجي
يُعَدّ الخبير الاكتواري (Actuary) حجر الأساس في صناعة التأمين لما يمتلكه من قدرات تحليلية وإحصائية تمكّنه من قياس المخاطر المالية والتأمينية بدقة. وقد اقتصر دوره تاريخيًا على الحسابات الفنية وتقدير الاحتياطيات، لكن التحولات الاقتصادية والتكنولوجية التي يشهدها العالم دفعت هذه المهنة إلى توسيع نطاق مسؤولياتها، لتتحول من دور تقني بحت إلى شريك استراتيجي فاعل في صناعة القرار.
أولاً: الدور التقليدي للاكتواري
التسعير وتقدير الاحتياطيات: تحديد الأقساط المناسبة لوثائق التأمين وفقًا لأسس رياضية وإحصائية دقيقة.
تقييم المخاطر: تحليل بيانات الحوادث والخسائر لتحديد احتمالات وقوع الأخطار.
الالتزام الرقابي: إعداد التقارير المالية والفنية المطلوبة للجهات التنظيمية.
كان هذا الإطار يضع الاكتواري في موقع “حارس الأرقام”، حيث يركز على الحسابات المتخصصة دون مشاركة واسعة في رسم الاستراتيجيات أو اتخاذ القرارات.
ثانياً: دوافع التحول نحو الشراكة الاستراتيجية
تعقّد المخاطر: ظهور مخاطر جديدة مثل التغير المناخي، الأوبئة، والهجمات السيبرانية فرض الحاجة إلى خبرة اكتوارية أوسع.
التقنيات الحديثة: ثورة البيانات الضخمة (Big Data) والذكاء الاصطناعي عزّزت قدرة الاكتواري على تقديم تحليلات استشرافية تدعم التخطيط طويل الأجل.
تطور دور شركات التأمين: لم يعد الهدف مجرد تعويض الخسائر، بل إدارة المخاطر الشاملة والمساهمة في التنمية المستدامة.
متطلبات الحوكمة: تزايد التركيز على الاستدامة والشفافية جعل من مشاركة الاكتواري في لجان المخاطر والاستراتيجية ضرورة لا خيارًا.

ثالثاً: الاكتواري كشريك استراتيجي

اليوم يُنظر إلى الخبير الاكتواري باعتباره مستشارًا لإدارة المخاطر على مستوى الشركة والقطاع ككل، حيث يشارك في:
تخطيط الأعمال والنمو: وضع استراتيجيات التوسع وتطوير المنتجات الجديدة.

تقدير رأس المال الاقتصادي: الموازنة بين العائد والمخاطر في قرارات الاستثمار.

الاستدامة والحوكمة: المساهمة في تقارير الاستدامة وتقدير أثر التغير المناخي على محافظ التأمين.
التواصل مع أصحاب المصلحة: تقديم تحليلات مبسطة لمجالس الإدارات والمستثمرين لدعم القرارات الاستراتيجية.
مبادرة الهيئة العامة للرقابة المالية ودور اتحاد شركات التأمين المصرية فى دعم تأهيل الكوادر الاكتوارية
تحت رعاية الهيئة العامة للرقابة المالية ، تم توقيع بروتوكول تعاون فى نهاية عام 2023 بين اتحاد شركات التأمين المصرية والجامعة الأمريكية بالقاهرة لتأهيل وتطوير القدرات وتخريج دفعات جديدة من الاكتواريين المؤهلين للعمل في سوق التأمين، وذلك عبر تقديم أول دبلومة مهنية متخصصة في العلوم الاكتوارية للخريجين، في ظل أن أعداد الاكتواريين في مصر لا تتناسب مع حجم السوق الحالى مما يساهم فى تطوير وزيادة مساهمة قطاع التأمين في الاقتصاد القومى. ومن شأن هذه الخطوة أن تسهم في دعم استقرار وتنمية صناعة التأمين في مصر، لما لها من أهمية قصوى في دعم خطط الحكومة المصرية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويقدم كل من اتحاد شركات التأمين المصرية والشركة الافريقية لإعادة التأمين وصندوق حماية حقوق حملة الوثائق، تمويل مشترك لهذا البرنامج.

وبموجب البروتوكول قامت الجامعة الأمريكية بتصميم وتقديم برامج دراسية متخصصة في العلوم الاكتوارية، تتماشى مع أحدث المعايير الأكاديمية والمهنية الدولية، وشهد الربع الأول من عام 2025 تخرج عدد من طلاب الدفعة الأولى، حيث نجح 12 طالباً فى اجتياز المسار الأول المخصص لغير المتخصصين في العلوم الاكتوارية، وتمكن 3 طلاب من اجتياز الامتحان الأول في جمعية الخبراء الاكتواريين (SOA) ضمن المسار الثاني. وقد تم مؤخراً فتح باب التسجيل للدفعة الثانية من الدبلومة المهنية المتخصصة في العلوم الاكتوارية.

تنظيم ورشة عمل بالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية وكلية التجارة بجامعة القاهرة، تناولت موضوع “Market Consistent Versus Model Consistent Valuations”، بهدف تعزيز المعرفة وتنمية القدرات في مجال العلوم الاكتوارية وتطبيقاتها.
وقع اتحاد شركات التأمين المصرية في يوليو 2025 ، بروتوكول تعاون مع كلية التجارة – جامعة القاهرة، بهدف دعم وتأهيل طلاب برنامج العلوم الاكتوارية وتزويدهم بالمعرفة والخبرة العملية التي تؤهلهم للاندماج الفعّال فى سوق التأمين المصرى. وبموجب هذا البروتوكول، يقدم الاتحاد منحة دراسية كاملة لـ 40 طالباً كحد أقصى من طلاب شعبة “علمى رياضة” ببرنامج العلوم الاكتوارية، تشمل سداد المصروفات الدراسية طوال مدة الدراسة “أربع سنوات”. ويوفر الاتحاد فرص تدريب عملى خلال الدراسة والعطلات الصيفية للطلاب الحاصلين على المنحة من خلال شركات التأمين العاملة بالسوق المصرية بهدف صقل المهارات المهنية وتحقيق التكامل بين الجانب النظري والعملي في التأهيل الاكتواري. ويمثل هذا التعاون استثمارًا مباشرًا في إعداد وتأهيل كوادر متخصصة تلبي الطلب المتزايد على الخبرات الاكتوارية، وتسهم في رفع كفاءة السوق المصري ومواكبة التطورات العالمية في مجال إدارة المخاطر والتسعير والاكتتاب التأمينى.

يشارك الاتحاد كشريك استراتيجى فى الملتقى الإقليمى لجمعية الخبراء الاكتواريين والذى سيعقد في الفترة 28-29 سبتمبر 2025 بالقاهرة؛ حيث يهدف الملتقى إلى دعم وتعزيز مهنة الخبير الاكتوارى.

رأي الاتحاد

يمثل الخبير الاكتواري العقل المفكر والضامن لاستقرار واستدامة صناعة التأمين، فهو ليس مجرد محلل أرقام، بل مهندس مالي حيوي يضمن نجاح القطاع عبر تقييم المخاطر المعقدة، وتطوير المنتجات التأمينية، وتحديد الأسعار العادلة، والمساهمة الفعّالة في تعزيز الحوكمة الرشيدة والاستقرار المالي للشركات.
في اقتصاد متنامٍ ومتعدد المخاطر مثل مصر، يصبح الاستثمار في هذه المهنة ضرورة استراتيجية لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية
إن التحديات التي تواجه هذه المهنة، مثل نقص الكوادر وصعوبة الدراسة، تتطلب اهتمامًا مستمرًا وجهودًا متضافرة لضمان استمرارية تطورها. ومع تزايد تعقيدات الأسواق المالية والمخاطر العالمية، ستظل الحاجة إلى الخبراء الاكتواريين في تزايد مستمر، مما يجعل تطوير هذه المهنة استثمارًا في المستقبل، يضمن بناء قطاع تأميني قوي قادر على حماية ثروات الأفراد والمؤسسات، وجذب الاستثمارات، وتعزيز استقرار النظام المالي المصري.