مقالات رأي

“الحل الصيني” يلهم العالم نحو التنمية الشاملة والمستدامة

  نور يانغ 

تُعد التنمية مسعى مشتركًا للبشرية، غير أن ضمان استفادة الجميع من ثمارها يظل تحديًا عالميًا يواجه الدول كافة. وعلى مدى السنوات الماضية، نجحت الصين – بفلسفتها التنموية المرتكزة على الإنسان – في استكشاف مسار فريد يجمع بين مكافحة الفقر والرخاء المشترك والتحول الأخضر ضمن عملية التحديث على الطريقة الصينية، مقدّمةً “الحل الصيني” بوصفه تجربة قيّمة للتنمية الشاملة عالميًا.

أعطت الصين أولوية قصوى لمكافحة الفقر. فمنذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، تبنت البلاد سياسات شاملة واستثمارات واسعة النطاق، مكّنتها من انتشال نحو 98.99 مليون ريفي من براثن الفقر، وإزالة 832 مقاطعة و128 ألف قرية من قائمته. وقد اعتُبر هذا الإنجاز، الذي تحقق في عام 2020، خطوة تاريخية في مسيرة الحد من الفقر على المستوى العالمي. كما اندمجت نتائج مكافحة الفقر بسلاسة مع استراتيجية إنعاش الريف لضمان استدامتها على المدى البعيد.

واجهت الصين بدورها تحدي الفجوة الإقليمية، حيث عالجت مشكلة “الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرًا” عبر استراتيجية تنموية منسقة، وتحويلات مالية، وآليات دعم موجهة. وقد حظيت المناطق النائية وشحيحة الموارد باستثمارات أكبر في البنية التحتية والخدمات العامة، فيما جرى تحسين تخطيط الصناعات وشبكات النقل، بما أسس لنمط جديد من التنمية التكاملية بين الشرق والوسط والغرب.

تعتبر الصين التعليم ركيزة أساسية للتنمية العادلة. وقد حافظ الإنفاق التعليمي على مستوى يفوق 4% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تجاوز معدل الالتحاق بالتعليم العالي 60% عام 2024، وهو من بين الأعلى في الدول متوسطة الدخل. ومع تضييق الفجوة بين التعليم الريفي والحضري، واعتدال الرسوم الدراسية، أُتيح لمزيد من أبناء الأسر العادية فرص الارتقاء الاجتماعي. كما تحتضن الصين اليوم نحو 190 مليون كيان تجاري، بينها 63 مليونًا تمثل محركات رئيسية للابتكار والتوظيف.

أسست الصين نظام ضمان اجتماعي يعد الأوسع عالميًا، حيث يحصل 328 مليون شخص على معاشات تقاعدية، ما قلل من مخاطر فقر المسنين. وتشمل منظومة الرعاية الصحية جميع المناطق الحضرية والريفية، إذ يمكن لأكثر من 90% من الأسر الوصول إلى خدمات أساسية خلال 15 دقيقة بالسيارة. وأسهمت سياسات شراء الأدوية المركزية وإصلاح أسعار المواد الاستهلاكية الطبية في تعزيز القدرة على تحمّل التكاليف. كما ارتفع متوسط العمر المتوقع من 74.8 عامًا عام 2012 إلى 79 عامًا عام 2024، متجاوزًا المعدل العالمي بـ 5.7 سنوات.

ارتقى مفهوم “المياه الصافية والجبال الخضراء هي كنز لا يقدَّر بثمن” إلى استراتيجية وطنية شاملة. فالصين تقود حملة لحماية البيئة عبر الحد من التلوث وتعزيز التنمية منخفضة الكربون. وهي اليوم في صدارة دول العالم في الطاقة المتجددة، سواء في الطاقة الكهرومائية أو طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية.

وبحلول يونيو 2025، بلغ عدد مركبات الطاقة الجديدة 36.89 مليون مركبة، أي ما يعادل 10.27% من إجمالي المركبات. وسُجل في النصف الأول من العام 5.622 مليون مركبة جديدة بزيادة سنوية قدرها 27.9%. لتتحول التنمية الخضراء إلى قوة دافعة للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

تُثبت التجربة الصينية أن التنمية الشاملة ليست مجرد شعار، بل مسار عملي يقوم على تصميم مؤسساتي واستثمار طويل الأمد. فمن مكافحة الفقر والضمان الاجتماعي، إلى التعليم والرعاية الصحية وحماية البيئة، تمد الصين سياسات تنموية تُفيد الجميع، وتحوّل التحول الأخضر إلى فرصة لتعزيز الصناعات الجديدة والابتكار وخلق الوظائف.

ستظل الاستدامة والشمولية محورين أساسيين في عملية التحديث الصيني. وستواصل الصين دعم المناطق الأقل نموًا، وتوسيع نطاق الخدمات التعليمية والطبية، وتعزيز الصناعات الخضراء، وربط التنمية الاقتصادية بالحماية البيئية. كما تؤكد استعدادها لتقاسم خبراتها مع دول العالم، خاصة في مجالات التحول الأخضر والطاقة المتجددة وإدارة الموارد الطبيعية، بما يساهم في تعزيز التنمية المستدامة عالميًا.

لقد أصبحت الصين نموذجًا بارزًا للتنمية الشاملة، ليس فقط بحجم إنجازاتها وسرعتها، بل أيضًا بقدرتها على إشراك أكبر شريحة من السكان في ثمار التقدم، وترسيخ مفهوم التنمية الخضراء والمستدامة. وهكذا، يُقدم “الحل الصيني” إلهامًا جديدًا للمجتمع الدولي في سعيه نحو بناء مستقبل أكثر عدالة وشمولًا وازدهارًا.