“التأمين.. قاطرة التنمية الاقتصادية في إفريقيا نحو نموذج متكامل للنمو المستدام”

التأمين كأداة للتنمية الاقتصادية نحو نموذج متكامل للتأمين التنموي في أفريقيا
قراءة في التقرير السنوي للاتحاد الأفريقي للتأمين (AIO)
احمد دياب
الاقتصادية وسوق التأمين
تؤثر الاتجاهات والعوامل الاقتصادية العالمية على نمو أفريقيا وقطاع التأمين فيها. فقد أثرت الصدمات الاقتصادية المرتبطة بالجائحة والحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط سلباً على نمو أفريقيا، وكذلك العوامل المحلية مثل عدم الاستقرار السياسي . إلا أن أفريقيا تتمتع بالمرونة – فهي لا تزال ثاني أسرع منطقة نمواً في العالم،
ومن المتوقع أن يرتفع نمو اقتصاد أفريقيا من 3.3% في عام 2024 إلى 3.9% في عام 2025، ليصل إلى 4% في عام 2026، على الرغم من تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي والتوترات التجارية، حسبما ذكر بنك التنمية الأفريقي في تقريره ” حول التوقعات الاقتصادية الأفريقية لعام 2025″.
استقر حجم أقساط التأمين على الحياة في أفريقيا في عام 2023 بعد تعديل التضخم، متخلفًا عن النمو في الأسواق الناشئة (7.8%، معدل التضخم). ومن الناحية الإيجابية، تجاوز معدل اختراق التأمين في أفريقيا لعام 2023 (2.4%) معدل الأسواق الناشئة (1.7%)، وتبدو توقعات نمو السوق إيجابية مع استمرار تحسن الوضع الاقتصادي في أفريقيا.
وشهد قطاع تأمين الممتلكات في أفريقيا انخفاضًا في حجم الأقساط بنسبة 3.2%، معدل التضخم، في عام 2023، إلا أن التوقعات تشير أيضًا إلى تحسن يتماشى مع التوقعات الاقتصادية الإيجابية لأفريقيا.
وعلى الرغم من أن معدل اختراق التأمين لعام 2023 بلغ لا يزال منخفضًا حيث بلغ 1.1% ، إلا أن معظم الاقتصادات التسعة الكبرى في أفريقيا من حيث حجم أقساط التأمين شهدت تحسنات طفيفة أو استقرارًا في معدلات الاختراق في عام 2023 مقارنة بعام 2022.
و تمتلك القارة الإفريقية إمكانات كبيرة لم تُستغل بعد رغم ما يواجهها من تحديات. فهي تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، فهي تمثل سوقًا ضخمة يمكن أن تُمكّن صناعة التأمين من تحقيق نمو مضاعف في حال تم تحسين البنية التنظيمية وتوسيع قاعدة الوعي التأميني. كما أشار التقرير إلى أن التأمين لم يعد مجرد وسيلة لتعويض الخسائر، بل أصبح أداة تنموية تساهم في تمويل المشروعات الكبرى، وتعزيز الشمول المالي، وتخفيف أعباء الموازنات الحكومية في أوقات الأزمات.
أهمية قطاع التأمين للاقتصاد الإفريقي
يؤدي قطاع التأمين في إفريقيا دورًا محوريًا في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ يمثل أحد أهم مصادر الاستقرار في الاقتصادات الناشئة. فهو يعمل من جهة كمخفف للصدمات الاقتصادية من خلال تغطية الخسائر الناتجة عن الكوارث أو الأزمات المالية، ويعمل من جهة أخرى كمستثمر طويل الأجل يموّل مشروعات البنية التحتية، والطاقة، والنقل، والاتصالات.
ويشير التقرير إلى أن الدول الإفريقية التي تمتلك أسواق تأمين متطورة – مثل جنوب إفريقيا والمغرب ومصر وكينيا – قد أظهرت قدرة أعلى على مواجهة الأزمات وتقليل الاعتماد على الديون الخارجية. فوجود تغطية تأمينية شاملة للأفراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة يساهم في حماية الدخل المحلي، ويقلل الحاجة إلى الاقتراض الطارئ عند وقوع الكوارث أو الأزمات.
كما أظهرت الدراسات أن كل زيادة بمعدل 1% في حجم أقساط التأمين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) يمكن أن ترفع معدل النمو الاقتصادي بمقدار من 0.4% إلى 0.6%، مما يبرز الدور التنموي الحقيقي لهذا القطاع.
الوضع التأميني في القارة الإفريقية
رغم النمو الملحوظ في بعض الأسواق، ما زال معدل اختراق التأمين في إفريقيا متدنّيًا مقارنةً بالمعدلات العالمية. إذ لا يتجاوز متوسط مساهمة التأمين 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يبلغ المتوسط العالمي نحو 7% .
ويرجع ذلك إلى عدة عوامل متداخلة، من أبرزها:
• انخفاض الوعي التأميني لدى شريحة كبيرة من السكان.
• ارتفاع معدلات الفقر في بعض المناطق مما يحد من القدرة على شراء المنتجات التأمينية.
• نقص البيانات الدقيقة التي تساعد الشركات على تسعير المخاطر بشكل عادل.
• محدودية الابتكار في تصميم المنتجات وضعف الانتشار الرقمي في بعض الأسواق.
ومع ذلك، فقد شهدت السنوات الأخيرة تطورًا لافتًا في استخدام التكنولوجيا التأمينية، حيث بدأت العديد من الشركات – خاصة في شرق و غرب إفريقيا وغربها – في تقديم حلول رقمية مبسطة للوصول إلى العملاء عبر الهواتف المحمولة، وهو ما يعزز فرص الوصول إلى الشرائح غير المغطاة تأمينا.
التحول نحو التأمين المستدام
أحد المحاور الرئيسة التي تناولها التقرير هو التحول نحو التأمين المستدام، وهو الاتجاه الذي يربط بين الخدمات التأمينية وأهداف التنمية المستدامة. فقد أصبحت شركات التأمين حريصة على دمج مبادئ البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) ضمن عملياتها الاستثمارية وتغطياتها، مثل دعم مشاريع الطاقة النظيفة، وتشجيع الشركات على تبني سياسات صديقة للبيئة، والمساهمة في إدارة الكوارث بطريقة أكثر استدامة.
ويُعد هذا التحول خطوة استراتيجية نحو بناء قطاع تأميني مرن قادر على الاستجابة لتحديات المناخ والتغيرات الاقتصادية، مع الإسهام في تمويل مشروعات تنموية طويلة الأجل تخدم مستقبل القارة.
الدور الاقتصادي والاجتماعي للتأمين في التنمية الإفريقية
أبرز التقرير أن صناعة التأمين ليست مجرد نشاط مالي، بل هي أحد أعمدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة. فالتأمين يخلق الثقة في بيئة الأعمال، ويشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي، ويعزز قدرة الحكومات على إدارة المخاطر والأزمات دون اللجوء إلى الديون الطارئة أو المساعدات الخارجية.
ويُظهر التحليل أن الدول التي تمتلك نظم تأمين قوية ومستقرة قادرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية بشكل أفضل. فعندما تقع كارثة طبيعية أو أزمة مالية، تكون شركات التأمين هي الجهة الأولى التي توفّر السيولة الفورية لتعويض المتضررين، مما يمنع انهيار النشاط الاقتصادي أو اضطرار الدولة إلى زيادة الاقتراض. ومن هنا، يصبح التأمين أداة لتخفيف العبء عن المالية العامة ودعامة للاستقرار المالي والاجتماعي.
كما أشار التقرير إلى أهمية التأمين متناهي الصغر كوسيلة فعالة لدمج الفئات محدودة الدخل والعاملين في الاقتصاد غير الرسمي داخل المنظومة المالية. فهذه الفئة تمثل نسبة كبيرة من سكان إفريقيا، وهي الأكثر عرضة للمخاطر الصحية أو البيئية أو فقدان الدخل. ومن خلال تصميم منتجات بسيطة ومنخفضة التكلفة، يمكن للتأمين أن يُحدث أثرًا ملموسًا في الحد من الفقر، وتحسين مستوى المعيشة، وتمكين المرأة اقتصاديًا، خصوصًا في المناطق الريفية.
دور التأمين في دعم قطاع الأعمال والاستثمار
تُعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) العمود الفقري للاقتصاد الإفريقي، إذ تمثل أكثر من 90% من عدد الشركات في القارة، وتساهم بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر معظم فرص العمل. إلا أن هذه المشروعات تواجه تحديات تمويلية وتشغيلية كبيرة، أبرزها ضعف القدرة على تحمل المخاطر والكوارث.
ويُبرز التقرير أن توفير تغطيات تأمينية مناسبة لهذه الفئة — سواء عبر التأمين ضد توقف الأعمال أو التأمين الزراعي أو التأمين الائتماني التجاري — يساهم في استقرار هذه المشروعات واستمراريتها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد وثائق تأمين الائتمان التجاري في حماية المصدرين المصريين والأفارقة من مخاطر عدم السداد عند التعامل مع أسواق جديدة، خاصة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، مما يفتح آفاقًا أوسع للتجارة البينية في القارة.
كما يدعم التأمين عملية التمويل والاستثمار، إذ يمنح البنوك الثقة في تمويل المشروعات المغطاة تأمينيًا، ويُشجع المستثمرين المحليين والدوليين على المشاركة في مشروعات البنية التحتية والطاقة، في ظل وجود منظومة حماية مالية تقلل المخاطر المحتملة.
التمويل طويل الأجل ودور شركات التأمين كمستثمر مؤسسي
أحد الجوانب المهمة التي ركّز عليها التقرير هو الدور الاستثماري لشركات التأمين. فهذه الشركات تمتلك أصولًا مالية ضخمة على المدى الطويل، إذ بلغ إجمالي أصول شركات التأمين عالميًا نحو 40 تريليون دولار بنهاية عام 2022. ويُعد هذا الحجم من الاستثمارات مصدرًا مهمًا لتمويل المشروعات الكبرى التي تحتاج إلى تدفقات نقدية مستقرة وطويلة الأمد مثل مشروعات الطاقة والنقل والإسكان.
وبالنسبة لمصر، يمكن لشركات التأمين أن تكون شريكًا فاعلًا في دعم خطة الدولة للتنمية المستدامة 2030، من خلال الاستثمار في السندات الخضراء والبنية التحتية المستدامة، والمشاركة في الصناديق الاستثمارية المخصصة للمشروعات العامة والخاصة، وهو ما يحقق عائدًا ماليًا جيدًا للقطاع ويسهم في تنمية الاقتصاد الوطني.
تعزيز القدرة على مواجهة الكوارث والمخاطر المناخية
تشهد إفريقيا ارتفاعًا ملحوظًا في حجم الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف والعواصف، وهو ما يفرض ضرورة البحث عن حلول مالية مبتكرة. وفي هذا السياق، سلط التقرير الضوء على أهمية التأمين البارامتري، وهو نوع من التأمين الذي يقدم تعويضات فورية عند تحقق مؤشرات محددة مسبقًا، مثل معدلات هطول الأمطار أو مستوى الفيضانات، دون الحاجة إلى تقييم تقليدي للخسائر.
هذا النموذج يمكن تطبيقه في مصر خاصة في المناطق الزراعية في الصعيد والدلتا، لحماية المزارعين والحكومة من تكاليف الطوارئ، وتخفيف العبء المالي على الموازنة العامة في حالات الجفاف أو الكوارث المناخية. ويمكن للاتحاد المصري لشركات التأمين أن يلعب دورًا محوريًا في تصميم هذا النوع من المنتجات بالتعاون مع وزارة الزراعة والهيئة العامة للأرصاد والجهات المانحة الدولية.
التحديات التي تواجه قطاع التأمين في إفريقيا
رغم التقدم الملحوظ الذي أحرزته القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة على صعيد تطوير قطاع التأمين، فقد أشار التقرير السنوي لمنظمة التأمين الأفريقية إلى مجموعة من التحديات البنيوية والتنظيمية التي ما زالت تعوق النمو وتحد من الوصول إلى الفئات غير المغطاة تأمينيًا.
ومن أبرز هذه التحديات:
• انخفاض الوعي التأميني: حيث ما تزال الثقافة التأمينية محدودة لدى شرائح واسعة من السكان، خاصة في المناطق الريفية والاقتصادات غير الرسمية، مما يؤدي إلى ضعف الإقبال على منتجات التأمين.
• نقص البيانات الدقيقة والمحدثة: كثير من الأسواق الإفريقية تفتقر إلى قواعد بيانات موحدة عن العملاء والمخاطر، وهو ما يصعّب عملية التسعير السليم وتصميم المنتجات المستهدفة.
• تحديات التنظيم والرقابة: تفاوت الأنظمة الرقابية بين الدول الإفريقية يؤدي إلى تفاوت في معايير الملاءة المالية وحماية العملاء، ويعرقل التعاون الإقليمي بين شركات التأمين.
• نقص الكفاءات البشرية: ما زال القطاع بحاجة ماسة إلى تطوير القدرات الفنية والإدارية، خاصة في مجالات التسعير المتقدم، إدارة المخاطر، الابتكار الرقمي، والتأمين الزراعي والمناخي.
• محدودية القنوات الرقمية: رغم التحول الرقمي السريع، إلا أن ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض الدول يحد من قدرة شركات التأمين على الوصول إلى عملاء جدد عبر المنصات الإلكترونية.
ورغم هذه التحديات، يرى التقرير أن القطاع يملك فرصًا واعدة للنمو إذا ما تم تعزيز التعاون الإقليمي وتكامل الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص والاتحادات المهنية.
الفرص المستقبلية أمام قطاع التأمين الإفريقي
يشير التقرير إلى أن القارة الإفريقية تُعد من أكثر الأسواق الواعدة عالميًا في مجال التأمين، حيث لا يتجاوز معدل اختراق التأمين 3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بمتوسط 7% عالميًا. وهذا يعني أن هناك إمكانيات هائلة للنمو في السنوات المقبلة، خصوصًا مع توسع الطبقة المتوسطة وزيادة معدلات التحول الرقمي.
ومن بين أهم الفرص التي أبرزها التقرير:
1. التكامل الإقليمي عبر اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA):
هذه الاتفاقية تمثل منصة لتوسيع نطاق أعمال شركات التأمين المصرية والإفريقية على حد سواء، من خلال إزالة الحواجز الجمركية وتسهيل انتقال الخدمات المالية بين الدول.
2. التأمين الأخضر والمستدام:
مع تصاعد تأثيرات التغير المناخي، تتجه شركات التأمين نحو تطوير منتجات جديدة تساهم في حماية البيئة ودعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، مثل تأمين مشاريع الطاقة المتجددة، وإعادة التأمين ضد الكوارث الطبيعية.
3. التأمين الرقمي:
استخدام التطبيقات والذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في إصدار الوثائق وتسوية المطالبات بسرعة وشفافية أكبر، وهو ما يسهم في تقليل التكاليف وتوسيع قاعدة العملاء.
4. الشراكة بين القطاعين العام والخاص :
تعزيز التعاون بين الحكومات وشركات التأمين من أجل إنشاء آليات وطنية وإقليمية لتمويل الكوارث والمخاطر السيادية، مثل الصناديق البارا مترية وحلول إعادة التأمين الجماعية.
التأمين كأداة لتمويل التنمية في إفريقيا
يشير التقرير إلى أن شركات التأمين في القارة يمكن أن تكون محركًا رئيسيًا لتمويل التنمية، إذا تم تمكينها عبر بيئة تنظيمية مناسبة وتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل. وما زال هذا الدور في بدايته، لكن هناك فرصًا كبيرة لتعبئة الموارد المحلية من خلال:
• الاستثمار في السندات الحكومية والبنية التحتية الوطنية.
• المشاركة في تمويل المشاريع الخضراء ومشروعات الطاقة المتجددة.
• إصدار سندات خضراء ومناخية لتوجيه رأس المال نحو التنمية المستدامة.
هذه الخطوات لا تسهم فقط في تعزيز النمو الاقتصادي، بل أيضًا في بناء القدرة على الصمود أمام الأزمات مثل الكوارث الطبيعية وتغير المناخ، وهو ما أكدت عليه مؤسسات مثل بنك التنمية الإفريقي (AfDB) وصندوق النقد الدولي (IMF).
وفقًا لبنك التنمية الإفريقي (AfDB)، انخفض متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في إفريقيا إلى 3.2٪ في عام 2023، بعد أن كان 4.1٪ في عام 2022، وذلك بسبب تعدد الصدمات الاقتصادية التي تم تناولها سابقًا.
ومع ذلك، حققت 15 دولة إفريقية – من بينها إثيوبيا، وساحل العاج، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وموريشيوس، ورواندا – معدلات نمو تجاوزت 5٪ في عام 2023.
وقد ساهم في هذا النمو ارتفاع معدلات الاستثمار، وانتعاش قطاع السياحة، والأداء القوي لقطاع التعدين، وتنويع القاعدة الاقتصادية.
وعلى الرغم من تباطؤ الأداء الاقتصادي العام في عام 2023، من المتوقع أن تظل اقتصادات إفريقيا قوية حيث يُتوقع أن يرتفع النمو إلى 3.8٪ في عام 2024. ومن المنتظر أن يكون هذا النمو قوياً وشاملًا لمختلف القطاعات بوجه خاص في 41 دولة، من بينها 13 دولة يُتوقع أن تحقق نموًا يفوق بنسبة نقطة مئوية واحدة أو أكثر أداء عام 2023.
و تظل إفريقيا ثاني أسرع منطقة نموًا في العالم بعد آسيا ومن المتوقع أن تضم إفريقيا 11 دولة من بين أسرع 20 اقتصادًا نموًا في العالم خلال عام 2025
معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي و توقعاته في منطقة شمال إفريقيا (%)
خلال الفترة) 2021–2025 (
المصدر: إحصاءات البنك الأفريقي للتنمية
نحو قطاع تأمين أكثر تكاملًا وابتكارًا في إفريقيا
يحتاج قطاع التأمين الإفريقي إلى تبني رؤية مستقبلية قائمة على الابتكار، بحيث تتجاوز شركات التأمين الدور التقليدي لتصبح شركاء تنمويين حقيقيين للحكومات والمجتمعات.
ويتطلب ذلك:
1. تحسين بيئة الأعمال والتشريعات التنظيمية.
2. تطوير الكفاءات البشرية من خلال التدريب وبناء القدرات.
3. توسيع الشمول التأميني ليشمل الشباب، والمزارعين، والعمالة غير الرسمية.
4. تسريع التحول الرقمي لضمان وصول الخدمات التأمينية لكل مواطن بسهولة ويسر.
5. تعزيز التعاون الإقليمي بين اتحادات وشركات التأمين في الدول الإفريقية لتبادل الخبرات والبيانات.
التحول الرقمي في قطاع التأمين الإفريقي
يشهد قطاع التأمين في إفريقيا تحولًا رقميًا متسارعًا بفضل انتشار الهواتف الذكية وتحسّن البنية التحتية للاتصالات.
فقد باتت الشركات تستخدم التطبيقات والمنصات الرقمية لتبسيط عمليات الاكتتاب وإدارة الوثائق وتسوية المطالبات، مما يسهم في تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة والوصول إلى شرائح أوسع من العملاء.
مصر ودورها داخل المشهد الإفريقي
تعتبر مصر ثاني الاقتصادات الرائدة في أفريقيا عام 2025 ويرجع ذلك أساسًا إلى هيكلها الاقتصادي المتنوع، كما دعمت الاستثمارات الاستراتيجية في البنية التحتية والإصلاحات الاقتصادية الجارية، مما مكّنها من الحفاظ على الاستقرار وتجاوز الاقتصادات الأفريقية الرئيسية الأخرى.
الدول الأفريقية ذات الناتج المحلي الإجمالي الأعلى عام ٢٠٢٥
(مليار دولار أمريكي)
المصدر: Statista 2025
كما تحتل مصر موقعًا متميزًا ضمن أسواق التأمين الإفريقية، فهي واحدة من أكبر خمس أسواق من حيث حجم الأقساط المكتتبة، وتمتاز بقطاع تأميني منظم يتمتع بخبرة طويلة وإشراف رقابي فعال من الهيئة العامة للرقابة المالية.
وقد نجحت مصر خلال السنوات الأخيرة في تعزيز الشمول التأميني عبر إطلاق منتجات جديدة وتوسيع نطاق التغطية للفئات غير التقليدية، مثل العمالة غير المنتظمة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
كما يشهد القطاع طفرة في التحول الرقمي، من خلال تبني شركات التأمين لحلول تكنولوجية حديثة في الإصدار الإلكتروني وإدارة المطالبات، مما يعزز كفاءة الأداء ويزيد من ثقة العملاء.
ويُتوقع أن تلعب مصر دورًا قياديًا في دعم التكامل الإفريقي من خلال تبادل الخبرات وبناء القدرات الفنية في مجالات مثل التأمين الزراعي والمناخي، والتأمين متناهي الصغر، وتمويل الكوارث.
وتُعدّ مصر واحدة من أبرز الأسواق الواعدة في إفريقيا من حيث إمكانات النمو التأميني. فهي تملك قاعدة سكانية ضخمة تتجاوز 110 ملايين نسمة، إلى جانب قطاع مالي متطور نسبيًا وهيئة تنظيم قوية ممثلة في الهيئة العامة للرقابة المالية . كما تشهد السوق المصرية توسعًا في منتجات التأمين الصحي، والتأمين متناهي الصغر،
والتأمين البنكي إضافة إلى التوجه نحو التأمين المستدام والرقمي.
التوزيع الجغرافي لإجمالي أقساط التأمين في إفريقيا 2024
المصدر: Faber Consulting AG, based on data from Swiss Re Institute, Sigma 03/2024
ورغم أن نسبة اختراق التأمين في مصر لا تزال محدودة مقارنة ببعض الدول الإفريقية مثل جنوب إفريقيا والمغرب، إلا أن هناك زخم واضح في الإصلاحات والسياسات التي تمهّد لنمو كبير في السنوات المقبلة.
العوامل التي تعزّز مكانة مصر داخل القارة
1. الاستقرار المؤسسي والتنظيمي:
تمتلك مصر بنية تشريعية وتنظيمية ناضجة، مما يجعلها مركزًا محتملًا للتأمين وإعادة التأمين الإقليمي.
2. الموقع الجغرافي والاقتصادي:
فموقع مصر يربط تربط بين إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا يمنحها ميزة في إدارة المخاطر العابرة للحدود ودعم المبادرات الإفريقية مثل منطقة التجارة الحرة القارية (AfCFTA).
3. الدعم الحكومي:
تدعم الدولة سياسات الشمول المالي والتأمين الصحي الشامل، وهو ما يعزّز الطلب المحلي على التأمين ويخلق فرصًا للنمو المستدام.
الفرص المستقبلية لمصر داخل السوق التأميني الإفريقي:
يشهد قطاع التأمين في إفريقيا مرحلة إعادة تشكّل واسعة بفعل التغيرات المناخية، والتحولات الاقتصادية، والتوسع في البنية التحتية، وهي عوامل تفتح آفاقًا جديدة أمام الدول ذات القدرات التنظيمية والخبرة الفنية، مثل مصر، لتلعب دورًا قياديًا في دعم التكامل التأميني داخل القارة.
تتمثل أبرز الفرص المستقبلية أمام السوق المصرية فيما يلي:
1. التكامل الإفريقي عبر منطقة التجارة الحرة القارية (AfCFTA):
تمثل هذه الاتفاقية منصة استراتيجية لمصر لتعزيز صادراتها من الخدمات المالية والتأمينية إلى الدول الإفريقية، خاصة مع ازدياد حركة التجارة البينية.
وذلك من خلال تطوير منتجات تأمين الائتمان التجاري والمخاطر السياسية، يمكن لمصر دعم شركاتها المصدّرة، وتحفيز البنوك على تمويل الصادرات بثقة أكبر، مما يعزز مكانتها كمركز مالي وتجاري إفريقي.
2. التأمين الزراعي والبارامتري :
نظرًا لتعرّض العديد من الدول الإفريقية لتقلبات مناخية حادة، تبرز الحاجة إلى حلول سريعة وفعّالة لتعويض الخسائر الزراعية أو الناتجة عن الكوارث الطبيعية.
ويمكن لمصر، بفضل خبرتها في إدارة الموارد المائية والبيانات المناخية، أن تتبنى نماذج تأمين بارامترى محلية بالتعاون مع الجهات الدولية، تمهيدًا لتوسيع التجربة إقليميًا.
3. التأمين متناهي الصغر والتأمين الشامل:
مع وجود شريحة واسعة من العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، تشكّل منتجات التأمين متناهي الصغر أداة فعالة لرفع معدلات الشمول المالي وتحسين الاستقرار الاجتماعي.
ويمكن لمصر تصدير خبرتها في هذا المجال إلى دول إفريقية أخرى، خاصة بعد تطوير إطار تنظيمي مرن لهذه المنتجات.
4. الاستثمار في البنية التحتية والتأمين الأخضر:
تمتلك مصر تجربة متميزة في مشروعات الطاقة المتجددة والنقل الذكي، وهي مجالات يمكن أن تجذب شركات التأمين كمستثمرين طويلَي الأجل. كما أن تطوير أدوات مثل السندات الخضراء وسندات الكوارث يتيح فرصًا لتمويل مشاريع التنمية المستدامة في مصر وإفريقيا على حد سواء.
5. التعاون في بناء القدرات والتدريب الإقليمي:
مصر مؤهلة لتكون مركزًا للتدريب والتأهيل التأميني في القارة، من خلال اتحاد شركات التأمين المصرية و الكليات المتخصصة في علوم إدارة المخاطر و العلوم الاكتوارية. ويمكن من خلال الشراكات مع منظمة التأمين الأفريقية إنشاء منصات تعليمية مشتركة وبرامج مهنية إقليمية.
6. التحول الرقمي وتكامل البيانات:
بفضل تطور البنية التكنولوجية في السوق المصرية، يمكن الاستفادة من المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة المطالبات والتسعير والاكتتاب. كما أن مشاركة البيانات مع منصات مثل AIDR )المستودع الإفريقي لبيانات التأمين والكوارث(ستساعد في بناء نماذج أكثر دقة للمخاطر الإقليمية، ما يعزز مكانة مصر كمصدر للمعرفة الفنية في القارة.
رأي الاتحاد
تحرص الدولة على تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة التأمين في أفريقيا، في إطار التأكيد على أهمية الاستثمار طويل الأجل الذي يخدم الأجيال القادمة، ويُرسّخ مكانة مصر على خارطة التأمين العالمية.
و قد استضافت مصر “الملتقى الثامن والعشرين لإعادة التأمين لمنظمة التأمين الأفريقية في الفترة من ١٢ إلى ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤، والذي تمحور حول موضوع “التنسيق بين أسواق إعادة التأمين الأفريقية من أجل مستقبل مستدام”. كما تناول المنتدى كيفية تعزيز الجهات التنظيمية في جميع أنحاء القارة لجهود التنسيق، لا سيما في ضوء اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، وتداعيات ذلك على شركات التأمين في جميع أنحاء أفريقيا.
و من المنتظر أن تترأس مصر منظمة التأمين الأفريقية خلال العام القادم 2026، و يمثل هذا الدور فرصة كبيرة لتعزيز شراكات مصر مع السوق الأفريقي وتوسيع مجالات التعاون في صناعة التأمين.
وقد تضمنت خطة عمل الإتحاد خلال الفترة 2025-2029 تنفيذ خطة لتطوير المنظمة خلال فترة انتقال رئاستها لمصر تتضمن تأسيس مختبر للابتكار في التأمين وإطلاق برامج تدريبية موسعة للعاملين فى قطاع التأمين في مصر والدول الأفريقية.